حديث عن “صفقة”: ماذا تخفي الهدنة بين حماس وإسرائيل؟

خاص – نبض الشام
في زحام التصريحات المتضاربة، والخطابات المشحونة بلغة الحرب، برز فجأة خبر عن هدنة محتملة بين إسرائيل وحماس، كأن شيئاً تغيّر بعد أكثر من 600 يوم من نار لا تهدأ فوق غزة. هدنة مدتها 60 يوماً، بتنسيق أمريكي-قطري-مصري، تترافق مع زيارة مرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وغياب لافت لأصوات متطرفة كانت حتى الأمس القريب ترفض أي تهدئة.
فهل ما نراه الآن مجرّد استراحة محارب؟ أم أن هناك صفقة حقيقية تُطبخ في الخفاء، ستعيد رسم ملامح الصراع في غزة والمنطقة؟ وهل الثمن سياسي، إنساني، أم كلاهما؟
هذا المقال يحاول كشف خفايا اللحظة، وقراءة ما وراء التصريحات، وتحليل أسباب التوقيت، والثمن المحتمل، وموقع غزة الحقيقي في هذه المعادلة المعقدة.
هل هناك صفقة فعلًا؟ ولماذا الآن؟
من خلال المؤشرات المتقاطعة، يبدو أن هناك صفقة فعلية يتم التفاوض عليها، حتى لو أنكرت الأطراف ذلك في العلن. مصادر إسرائيلية نقلت موافقة ضمنية على مسوّدة أمريكية تتضمن وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، فيما تسعى واشنطن لإظهارها كإنجاز دبلوماسي. في المقابل، تُصر حكومة نتنياهو على خطاب ناري يهدد بـ”القضاء على حماس”، مما يكشف عن تناقض متعمد هدفه تمرير الصفقة دون انهيار سياسي داخلي.
التوقيت ليس اعتباطياً، فإسرائيل تخوض حرب استنزاف استمرت لأكثر من 600 يوم دون نصر واضح، وسط احتجاجات داخلية متصاعدة وضغط عسكري واقتصادي يضعف الجبهة الداخلية. عودة ترامب إلى الواجهة ومنح نتنياهو مظلة خارجية تحميه من الانهيار السياسي، وتسمح له بتسويق الصفقة كتحالف إستراتيجي لا كتنازل.
من جانب حماس، فإن الوضع الإنساني الكارثي في غزة، وانعدام الأمن الغذائي، يدفع نحو خيار هدنة تتيح إعادة ترتيب الوضع الميداني. لكنها هدنة محفوفة بالمخاطر، إذ تخشى الحركة أن تتحول إلى أداة ضغط سياسي أو مقدمة لإعادة هندسة واقع غزة بشروط غير متوازنة.
ما الثمن؟ ومن يدفعه؟
الصفقة تبدو مشروطة بثمن مرتفع، يدفعه الجميع بأشكال مختلفة، نتنياهو يريد الهدنة لتجميد محاكمته وكسب شرعية سياسية، لا لإنهاء الحرب، هو يراها “نافذة تكتيكية” لا اعترافاً بفشل، في المقابل، حماس تسعى لالتقاط أنفاسها سياسياً وإنسانياً، لكنها تخشى أن يكون الثمن فقدان المبادرة أو دخول غزة في سيناريو احتلال ناعم تحت مسميات “ما بعد الحرب”.
الأطراف الإقليمية مثل قطر ومصر تريدان تهدئة مؤقتة لوقف الانهيار الإنساني وتخفيف الضغط الإقليمي. أما الولايات المتحدة، وخاصة إدارة ترامب العائدة، فهي تبحث عن لحظة “نصر إعلامي” قبل الانتخابات، حتى لو كانت لحظة مؤقتة.
لكن الثمن الحقيقي لا يُدفع في الغرف المغلقة، بل في شوارع غزة المحاصرة. هدنة دون فك حصار، أو خطة إعمار حقيقية، أو ضمان لوقف دائم، لا تُعد انتصاراً إنسانيا، بل استراحة لمزيد من الألم المؤجل.
هل هي نهاية قريبة أم خدعة سياسية؟
بناءً على التراكمات والمواقف، لا تبدو هذه الصفقة بداية سلام دائم، بل تكتيك مرحلي يتوافق مع حاجة الأطراف إلى التقاط أنفاسها. إسرائيل لم تغيّر عقيدتها القتالية، ونتنياهو لا يزال يناور بخطاب مزدوج.
لكن في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل حجم التحولات: زيارة لواشنطن تحمل أكثر من دلالة، انسحاب تدريجي للأصوات المتطرفة من المشهد، وتعب داخلي يفرض نفسه في إسرائيل. كل ذلك قد يفتح الباب لمرحلة انتقالية عنوانها: لا حرب شاملة، ولا سلام فعلي.
إذا تحققت الهدنة، فهي ليست اتفاقا نهائيا، بل اختبار نوايا، وإذا فشلت، فالرهائن سيعودون ورقة مساومة، وغزة ستبقى ميدان تصفية حسابات إقليمية ودولية.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”