
كان يُنظر إلى جيرالد راتنر ذات يوم كأيقونة في عالم المال والتجزئة، ملك المجوهرات بلا منازع في بريطانيا، وصاحب أكبر سلسلة متاجر مجوهرات في العالم. لكن في لحظة ساخرة على خشبة المسرح، تحوّل هذا المجد إلى سقوط حرّ، بعد أن أطلق نكتة قاتلة كلّفته إمبراطورية قيمتها مئات الملايين — في واحدة من أشهر الكوارث في تاريخ الأعمال البريطانية، والمعروفة اليوم باسم “تأثير راتنر”.
في أواخر الثمانينيات، كان راتنر يتقاضى 750 ألف جنيه إسترليني سنوياً، ويطير بطائرة هليكوبتر بين قصره في مايفير ومنزله على ضفاف النهر في بيركشاير، ويشرف على شبكة تجارية تمتد لأكثر من 1000 متجر في أمريكا، وعلامات مرموقة مثل “إتش. صموئيل” و”إرنست جونز” و”ساعات سويسرا”.
لكن كل شيء انهار في أبريل (نيسان) 1991، حين اعتلى المنصة في قاعة ألبرت الملكية لإلقاء كلمة خلال مؤتمر لمعهد المديرين، وأراد أن يضفي بعض الدعابة على خطابه.
قال ممازحًا: “نصنع دوارق شيري مع ستة أكواب على صينية مطلية بالفضة مقابل 4.95 جنيهاً إسترلينياً، والسبب؟ لأنها رديئة جداً!”. ثم أضاف أن “شطيرة روبيان من ماركس آند سبنسر تدوم أكثر من معظم الأقراط التي نبيعها”.
هذه المزحة البسيطة فجّرت عاصفة من الغضب، في بلد يعاني من ركود اقتصادي ويبحث عن “كبش فداء”. تحوّل راتنر من رمز للنجاح إلى منبوذ، وانهارت أسهم شركته من 4.20 جنيه إلى بنس واحد، وتمت مقاطعته تجارياً، وأقيل لاحقاً من شركته التي أسسها مع عائلته.
في أعقاب الخطاب، أُجبر راتنر على الاستقالة، وتكبد خسائر تقدر بـ500 مليون جنيه إسترليني، ودفع فاتورة ضريبية على أرباح لم تعد موجودة. عاش لسنوات على مضادات الاكتئاب، وظل طريح الفراش بلا هدف، كما يصف نفسه.
لكن نقطة التحوّل جاءت حين قرر النهوض من جديد، عبر دراجته الهوائية وهواية ركوبها يومياً لمسافة 40 كيلومتراً، والتي أعادت إليه التوازن.
أسس لاحقاً صالة رياضية ناجحة بعد حملة تسويق ذكية، ثم أطلق موقعاً إلكترونياً للمجوهرات حمل اسمه “GeraldOnline”، واستثمر شهرته الممزوجة بالسقوط للعودة إلى دائرة الضوء.
واليوم، راتنر البالغ من العمر 75 عاماً يعيش في منزل متواضع نسبياً مع زوجته، ويُقدّر التفاصيل الصغيرة التي لم يكن يلتفت لها يومًا، كما يقول.
ويضيف في مقابلة مع “دايلي ميل”: “ألقي خطاباً تحفيزياً أسبوعياً تقريباً. الناس يرون في قصتي إلهامًا، لأن مهما كانت مشكلتك، لن تكون في حجم خسارة 500 مليون!”
وفق تقارير حديثة، قد يعود راتنر إلى الواجهة من جديد، إذ يخطط لإعادة شراء علامتيه الشهيرتين “إتش. صموئيل” و”إرنست جونز” من مالكهما الأمريكي “سيجنت”.
وإن حدث ذلك، سيكون جيرالد راتنر الرجل الذي سقط بنكتة، لكنه عاد بقوة، ليكتب فصلًا جديداً من المجد، بأسلوب لا يخلو من بريق المجوهرات التي لم تفقد لمعانها في ذاكرة بريطانيا.