الاتفاق المرتقب على أنقاض غزة: هل تكون الفرصة الأخيرة؟

خاص – نبض الشام
وسط الدمار المتصاعد في غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، تتكثف الجهود السياسية في محاولة لصياغة اتفاق تهدئة جديد بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية.
هذا الاتفاق الذي تتولى قطر ومصر الوساطة فيه، ويحمل ضمانات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يُعد أحد أكثر المقترحات حساسية وتعقيدا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر الماضي، يتضمن المقترح وقف إطلاق نار مؤقت يمتد ستين يوما، مع بنود تفصيلية تتعلق بتبادل الأسرى، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية، وإدخال عاجل للمساعدات الإنسانية بإشراف من الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
مقترح التهدئة
الرئيس الأمريكي أعلن بوضوح دعمه للمقترح واعتبره الفرصة الأخيرة لتحقيق التهدئة، محذرا من أن الأوضاع قد تتجه نحو الأسوأ إن لم تستجب حماس للعرض المطروح. في المقابل، ردت حماس بإيجابية نسبية، مؤكدة أنها تدرس المقترح بجدية، وقد سلمت الوسطاء ردها الرسمي بعد مشاورات موسعة مع الفصائل الفلسطينية. ومع أن مضمون الرد لم يُعلن رسميا، إلا أن مصادر متعددة أكدت تمسك حماس بعدة مطالب جوهرية، من أبرزها ضمان استمرار وقف إطلاق النار طوال فترة التفاوض، وضمان انسحاب حقيقي ومرسوم من مناطق تمركز الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى العودة إلى نظام المساعدات السابق الذي يرى فيه الفلسطينيون قدرا أعلى من الشفافية والعدالة.
على الجهة الأخرى، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقة مبدئية على الانخراط في مفاوضات جديدة، لكنه وصف تعديلات حماس بأنها غير مقبولة. إلا أن حكومته، رغم تحفظاتها، أوفدت وفدا تفاوضيا إلى الدوحة، مما يشير إلى وجود مساحة للحوار. لكن موقف نتنياهو يظل محكوما بتوازنات داخلية دقيقة، أبرزها ضغوط اليمين المتطرف في حكومته الذي يعارض أي اتفاق تهدئة، بالإضافة إلى اعتبارات شخصية تتعلق بملاحقته القضائية على المستوى الدولي.
تحديات الاتفاق
العقبة الكبرى التي قد تعيق الوصول إلى اتفاق نهائي تتمثل في الانقسام الحاد داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، حيث يعارض عدد من الوزراء بشدة أي صيغة تؤدي إلى إنهاء العمليات العسكرية، ويروجون لخيار إعادة احتلال القطاع بالكامل. في المقابل، هناك ضغوط كبيرة من عائلات الأسرى الإسرائيليين، التي تطالب بصفقة شاملة تشمل الجميع دون استثناء، وتدعو إلى تدخل أمريكي حاسم لإجبار الحكومة الإسرائيلية على تقديم تنازلات حقيقية.
الفرصة الأخيرة
في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن فرص نجاح المقترح تتوقف على قدرة الأطراف المعنية في تغليب المصالح الإنسانية على الحسابات السياسية الضيقة. الوساطة القطرية والأمريكية تضفي على المحادثات وزنا كبيرا، لكن استمرار الحرب أو وقفها لن يتحدد فقط على طاولة المفاوضات، بل في ميدان الالتزام والتنفيذ. حماس أبدت مرونة نسبية هذه المرة، في حين يحاول نتنياهو كسب الوقت، دون أن يظهر نية حقيقية لحسم النزاع جذريا.
يمكن القول إن المحادثات الجارية ليست مجرد صفقة تبادل أسرى، بل محاولة لإعادة تعريف مستقبل القطاع بأكمله. الاتفاق المقترح، إن نجح، قد يمثل نقطة تحول تفتح الطريق نحو تهدئة طويلة المدى، وربما بداية لنقاش أكثر عمقا حول حل دائم للصراع. أما إن فشل، فستُفتح من جديد أبواب الدمار على مصراعيها، وتغيب الفرصة الأخيرة قبل أن تشتد النار أكثر.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”