ترامب بين الحرب والسلام: 73 ساعة من الجنون السياسي

ترجمة – نبض الشام
في غضون 73 ساعة فقط، تحوّل المشهد في الشرق الأوسط إلى مسرح لتصعيد غير مسبوق، بدا في لحظة كأنه يقود إلى حرب إقليمية شاملة، قبل أن ينقلب فجأة إلى إعلان “سلام عالمي”. بقرارات منفردة وتصريحات متضاربة ومفاجآت دراماتيكية، قاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب واحدة من أكثر حلقات التوتر الأميركي-الإيراني جنوناً، بدأها بضربة عسكرية مدمّرة على منشآت نووية داخل إيران، ومرّ خلالها بتهديدات شديدة، وتلميحات إلى تغيير النظام، وصولاً إلى احتفاء بانتصار لم تُخض فيه حرب تقليدية، وإلى وقف هشّ لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل. في خضمّ التصعيد والتناقضات، تكررت كلمة واحدة على لسان ترامب: “السلام”، بينما بدا العالم عاجزاً عن ملاحقة وتيرة الأحداث المتسارعة.
من تصريح “الوقت مناسب للسلام” إلى “لا يعرفون ما يفعلونه”; الرئيس الأميركي يقود ثلاث ليالٍ مضطربة من التصعيد والشتائم والنصر المعلن.
إعلان ضربة مفاجئة
يوم السبت، 21 يونيو الساعة 7:50 مساءً، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيش الأميركي قد نفّذ للتوّ “هجوماً ناجحاً للغاية” داخل إيران استهدف تدمير ثلاث منشآت نووية.
وقد وصف ترامب العملية بأنها غير مسبوقة، إذ لم يجرؤ أي زعيم عالمي (حتى قبل ضربات إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر)على القيام بمثل هذا الهجوم، وختم إعلانه بعبارة: “الآن هو الوقت المناسب للسلام!”.
تهديدات وتصعيد
الساعة 10:04 مساءً، في خطاب موجز متلفز من البيت الأبيض، حذّر ترامب قائلاً: “إذا لم يتحقق السلام بسرعة، فسوف نستهدف تلك الأهداف الأخرى بدقة وسرعة ومهارة. يمكن تدمير معظمها خلال دقائق معدودة.”
الساعة 10:35 مساءً، عاد ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليكتب بتحذير حاد: “أي رد إيراني على الولايات المتحدة الأميركية سيُواجَه بقوة تفوق بكثير ما رأيتموه هذه الليلة. شكرًا لكم! دونالد جي. ترامب، رئيس الولايات المتحدة.”
تأكيد نوايا محدودة
الأحد، 22 يونيو من 8:05 إلى 8:23 صباحاً، عقد وزير الدفاع، بيت هيغسِث، مؤتمراً صحفياً في البنتاغون، حاول فيه تهدئة المخاوف من الانزلاق نحو حرب شاملة.
إذ أكد هيغسِث ومسؤولون آخرون أن الضربة العسكرية لم تكن تهدف إلى تغيير النظام في إيران، بل إلى تدمير قدراتها النووية ودفعها إلى طاولة المفاوضات، مضيفاً: “هذه المهمة لم تكن، ولا تزال، عن تغيير النظام”.
فوضى الرسائل ثم إعلان “النصر”
الاثنين – الثلاثاء، بين التصريحات، التهديدات، والتناقضات، وصلت التصريحات إلى ذروتها صباح الثلاثاء حين صرّح ترامب بأن “البلدين لا يعلمان ما الذي يفعلاه”، وبعد ساعتين فقط، عاد ليعلن أن “السلام قد عاد”.
وفي ختام الـ73 ساعة، أعلن ترامب “نصراً كاملاً” واستعداده للتعامل مع “مجموعة جديدة من المشكلات”.
تأكيد محدودية العملية
الساعة 9:05 صباحاً – الأحد، 22 يونيو، قال وزير الدفاع بيت هيغسِث في المؤتمر الصحفي: “كما أوضح الرئيس ووجّه، فإن هذه العملية ليست مفتوحة المدى على الإطلاق”.
نفي الحرب على إيران
الساعة 9:05 – 9:22 صباحاً، في مقابلة مع مقدّمة برنامج “واجه الصحافة” على قناة NBC، كريستين وولكر، صرّح السيناتور جيه دي فانس: “كلا، كريستين، نحن لسنا في حالة حرب مع إيران. نحن في حرب مع البرنامج النووي الإيراني”.
وأضاف دي فانس: “ليست لدينا أي مصلحة في إرسال قوات برية”، متابعاً: “وجهة نظرنا واضحة للغاية: لا نرغب في تغيير النظام”، “لن تكون هذه عملية طويلة ومعقدة”.
تلميح متناقض إلى تغيير النظام
الساعة 4:55 مساءً، بينما كان مسؤولو إدارة ترامب يؤكدون أن الضربة لا تهدف إلى تغيير النظام الإيراني، نشر الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي ما يناقض ذلك بوضوح.
إذ قال ترامب على منصة “Truth Social”: “ليس من الصواب سياسياً استخدام مصطلح ‘تغيير النظام’، ولكن إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة من جديد، فلماذا لا يكون هناك تغيير في النظام؟؟؟”.
رد ضعيف من إيران
الاثنين، 23 يونيو – الساعة 3:52 مساءً، قال ترامب على منصة “Truth Social”: “لقد ردّت إيران رسمياً على تدميرنا لمنشآتها النووية برد ضعيف جداً، وهو ما كنا نتوقعه، وقد تصدينا له بفعالية تامة”.
وأضاف الرئيس الأمريكي: “تم إطلاق 14 صاروخاً – 13 منها تم إسقاطها، وواحد ‘تم إطلاقه بحرية’ لأنه كان متجهاً في مسار غير مهدد”.
وتابع ترامب: “يسرّني أن أبلغكم بأنه لم يُصب أي أميركي بأذى، ولم تقع أضرار تُذكر. والأهم من ذلك، أنهم ‘أخرجوا ما في صدورهم’، ولن يكون هناك، نأمل، المزيد من الكراهية”.
وختم ترامب منشوره: “أودّ أن أشكر إيران على إعطائنا إشعاراً مبكراً، مما مكّننا من تجنّب الخسائر والإصابات”.
شكر خاص لأمير قطر
الاثنين، 23 يونيو – الساعة 4:02 مساءً، قال ترامب على منصة “Truth Social”: “أود أن أشكر الأمير المحترم للغاية لدولة قطر على كل ما فعله في سبيل السعي إلى تحقيق السلام في المنطقة”.
وأضاف ترامب: “وبخصوص الهجوم اليوم على القاعدة الأميركية في قطر، يسرّني أن أبلغكم بأنه، إضافة إلى عدم مقتل أو إصابة أي أميركي، ومن المهم جداً أيضاً، لم يُقتل أو يُصَب أي قطري. شكراً لكم على اهتمامكم بهذا الأمر!”.
إعلان عالمي للسلام
الساعة 4:02 مساءً، قال ترامب على منصة “Truth Social”: “مبروك للعالم، لقد حان وقت السلام!”.
وقف شامل لإطلاق النار
الساعة 6:02 مساءً، نشر ترامب على منصة “Truth Social”: “مبروك للجميع! لقد تم الاتفاق الكامل والنهائي بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار شامل وكلي (في غضون حوالي 6 ساعات من الآن، بعد أن تكون إسرائيل وإيران قد أنهيتا مهامهما الأخيرة الجارية!)، لمدة 12 ساعة، وبعدها ستُعتَبر الحرب منتهية رسمياً!”.
وأوضح الرئيس الأمريكي: “رسمياً، ستبدأ إيران بوقف إطلاق النار، وبعد انقضاء 12 ساعة، ستبدأ إسرائيل بوقف إطلاق النار، وبعد 24 ساعة، سيتم تحية نهاية الحرب التي استمرت 12 يوماً من قبل العالم. وخلال كل مرحلة من وقف إطلاق النار، ستبقى الجهة الأخرى سلمية ومحترِمة”.
وتابع ترامب: “على افتراض أن كل شيء يسير كما ينبغي، وهو ما سيحدث، أود أن أهنئ كلا البلدين، إسرائيل وإيران، على امتلاكهما الصبر، والشجاعة، والذكاء لإنهاء ما يجب أن يُسمى بـ‘حرب الـ12 يوماً”.
وأضاف: “لقد كانت حرباً كان من الممكن أن تستمر لسنوات، وتدمّر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل، ولن تفعل أبداً!”.
وختم ترامب المنشور قائلاً: “ليبارك الله إسرائيل، ليبارك الله إيران، ليبارك الله الشرق الأوسط، ليبارك الله الولايات المتحدة الأميركية، وليبارك الله العالم!”.
“السلام الآن!”
الساعة 10:18 مساءً، قال ترامب على منصة “Truth Social”: “جاءت إليّ إسرائيل وإيران، تقريباً في الوقت ذاته، وقالتا: ‘السلام!’ عندها عرفت أن الوقت قد حان”، مضيفاً: “شكراً لكم على اهتمامكم بهذا الموضوع!”.
فجر الثلاثاء – وقف هش لإطلاق النار
الثلاثاء، 24 يونيو 1:08 صباحاً – 6:50 صباحاً، روّج الرئيس الأمريكي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، واضعاً حداً لتطور كبير وغير متوقّع بين دولتين مسلّحتين بقوة، كانت صراعاتهما الممتدة منذ سنوات قد تصاعدت مؤخراً.
لكن اتفاق ترامب بدا وكأنه انهار تقريباً فور إعلانه، إذ حمّل الرئيس إسرائيل مسؤولية “رد الفعل المبالغ فيه” على صاروخ أطلقته إيران “ربما عن طريق الخطأ”.
دونالد جي. ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على منصة “Truth Social”: “وقف إطلاق النار الآن ساري المفعول. رجاءً لا تنتهكوه!.
تحذير لإسرائيل
6:50 صباحاً، دونالد جي. ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على منصة “Truth Social”: “إسرائيل. لا تُسقطوا تلك القنابل. إن فعلتم، فذلك انتهاك جسيم. أعيدوا طيّاريكم إلى الوطن، الآن!.
تصريحات خارج البيت الأبيض
7:00 – 7:04 صباحاً، أدلى ترامب بتصريحات أمام مجموعة من الصحفيين خارج البيت الأبيض: “عليّ أن أُهدّئ إسرائيل الآن”.
وتابع: “أعتقد أن الطرفين انتهكا الاتفاق. لست متأكداً من أن ذلك كان عن عمد. لم يستطيعوا كبح جماح عناصرهم. لا يعجبني أن إسرائيل خرجت هذا الصباح، إطلاقاً. وسأحاول إيقاف ذلك”.
وأضاف الرئيس الأمريكي: “لستُ سعيداً بإسرائيل. كما تعلمون، حين أقول، ‘لديكم 12 ساعة’، لا تخرجون في الساعة الأولى وتُلقون كل ما لديكم عليهم. لذا، لستُ راضياً عنهم. ولا عن إيران أيضاً. لكنني غاضب حقاً إذا كانت إسرائيل قد تصرفت هذا الصباح بسبب صاروخ واحد لم يصب هدفه، أُطلق، ربما عن طريق الخطأ، ولم يصب. هذا أمر لا يرضيني”.
“لدينا في الأساس دولتان تقاتلان منذ زمن طويل، وبشدة، لدرجة أنهما لا تعلمان ما الذي يفعلانه بحق الجحيم. هل تفهمون ذلك؟”
وقف إطلاق النار يعود مجدداً
9:12 صباحاً – 9:16 صباحاً، على متن طائرة الرئاسة “إير فورس وان”، وفي طريقه إلى لاهاي، قال ترامب للصحفيين إن “وقف إطلاق النار عاد سارياً، بعد أن قال إن إسرائيل “أعادت الطائرات” بناءً على طلبه.
وتابع الرئيس الأمريكي: “إسرائيل تراجعت، لم تنفذ الغارة هذا الصباح، ولحسن الحظ. كان ذلك أمراً مهماً؛ نحن نقدّر ذلك. لقد كانت لديهم الكثير من الطائرات في طريقها وكانوا على وشك القيام بشيء، لكنهم لم يفعلوه. نحن سعداء بذلك. سعداء جداً بذلك. لذا، وقف إطلاق النار ساري المفعول بالكامل”.
وأضاف ترامب: “لم يفعلوا شيئاً. كانوا سيفعلون، لو لم أُنشر بياناً على تروث، لكنهم لم يفعلوا شيئاً”.
وختم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حديثه”إنه وقت مذهل. الآن نحن متوجهون إلى الناتو، وسنحصل على مجموعة جديدة من المشاكل. ها ها. سنحلّ مجموعة جديدة من المشاكل.”
على الرغم من محاولة ترامب تسويق ما حدث كإنجاز دبلوماسي يوازي معجزات، فإن الحقيقة التي ظهرت في تصريحاته الأخيرة كانت أكثر فوضوية: “لدينا في الأساس دولتان… لا تعلمان ما الذي تفعلانه بحق الجحيم.” بهذا الاعتراف الفج، اختزل ترامب واحدة من أكثر الأزمات تقلباً في السياسة الخارجية الأميركية، حيث بدت فيها القرارات تُتخذ في الفضاء الإلكتروني أكثر من غرف العمليات.
ربما توقف القصف، وربما تم إعلان “السلام”، لكن ما حدث يعكس خللاً أعمق في آلية صنع القرار، ويترك خلفه أسئلة مفتوحة: هل كان الهدف فعلاً ردع إيران؟ أم تحريك المشهد الانتخابي؟ وهل يمكن لسلامٍ وُلد من “منشورات” على مواقع التواصل الاجتماعي وتهديدات أن يدوم؟ ما هو مؤكد حتى الآن أن ترامب قد أنهى فصلاً مضطرباً، ليبدأ (كما قال) “بمجموعة جديدة من المشكلات”.
“ترجمة أسرة نبض الشام”