سياسيات متناقضةهيدلاينز

سوريا تحت المجهر الأمريكي: رسائل صارمة

خاص – نبض الشام

أصدرت السفارة الأميركية في سوريا هذا المساء بياناً أكدت فيه أن الشعب السوري “يستحق قيادة شفافة وخاضعة للمساءلة وملتزمة بمستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً”، وأشارت السفارة إلى أنها ستواصل مراقبة تصرفات “السلطات السورية المؤقتة”، واضعة أمامها مجموعة من الالتزامات الواضحة، أبرزها مكافحة الإرهاب، احترام الجوار، حماية الأقليات، ومنع المقاتلين الأجانب من الوصول إلى المناصب الرسمية.

هذا البيان يعكس ملامح سياسة واشنطن تجاه سوريا، لكنه في الوقت نفسه يكشف حجم التحديات والتوقعات التي قد تكون أكبر من الإمكانات الفعلية على الأرض.

تسعى الولايات المتحدة إلى بناء شراكة مع السلطات السورية التي تصفها بـ “المؤقتة”، ترتكز أساساً على مكافحة التطرف والقضاء على بقايا الجماعات الإرهابية. وتركز واشنطن في رسائلها العلنية على أهمية اجتثاث الإرهاب من جميع المناطق الواقعة تحت إدارة هذه السلطات، مطالبةً بتبني معايير صارمة في إدارة الشأن الأمني، لضمان ألا تتحول هذه المناطق إلى حواضن جديدة للمتطرفين.

إلى جانب ذلك، تضع الولايات المتحدة مسألة حماية الأقليات الدينية والعرقية في قلب أولوياتها، مطالبةً السلطات المؤقتة بضمان الحقوق والحريات الأساسية لجميع السوريين.
ويتصل ذلك بهدف أوسع يتمثل في تقديم نموذج سياسي محلي قائم على التعددية والانفتاح، بعيداً عن السياسات الإقصائية والعنيفة التي ميزت مراحل سابقة من النزاع السوري.

كما يظهر البيان الأميركي حرصاً واضحاً على التأكيد بأن السلطات السورية المؤقتة مطالبة باعتماد سياسة عدم الاعتداء على الدول المجاورة. هذه النقطة تحديداً تؤكد رغبة واشنطن في تجنيب المنطقة أي تصعيد عابر للحدود قد يهدد الاستقرار الإقليمي، وهو ما يعكس فهماً أميركياً لأهمية حفظ التوازنات الجيوسياسية المعقدة المحيطة بالأزمة السورية.

غير أن هذه التطلعات الأميركية، ورغم وضوحها في الخطاب، تصطدم بواقع صعب، فالقدرة الفعلية للسلطات السورية المؤقتة على تحقيق كل هذه الأهداف تبقى محدودة دون دعم فعلي ومستدام، سواء عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً.
وبينما تطالب واشنطن بالكثير، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى استعدادها لتقديم الدعم الكافي لتمكين هذه السلطات من النجاح في المهمة التي تريدها لها.

في النهاية، يتضح أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسلطات السورية الحالية قائمة على أهداف استراتيجية مشتركة، لكنها تتطلب مقاربة أكثر توازناً بين المطالب والدعم، حتى لا تتحول هذه العلاقة إلى مجرد رهانات سياسية غير قابلة للتحقق في الواقع السوري شديد التعقيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى