ديك تشيني: رجل الظل الذي غيّر وجه أمريكا
ترجمة – نبض الشام
إرث القوة والجدل
من قاعات البيت الأبيض إلى دهاليز الحرب، شكّل ديك تشيني واحداً من أكثر الشخصيات تأثيراً وإثارة للجدل في تاريخ السياسة الأمريكية الحديثة. فقد صنع لنفسه مكانة في قلب كل إدارة خدمها، من رئاسة الدفاع خلال حرب الخليج إلى موقع نائب الرئيس في عهد جورج دبليو بوش، حيث رسم ملامح مرحلة كاملة من السياسات الأمنية والعسكرية التي ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم.
من الشايان إلى البيت الأبيض
ولد تشيني في نبراسكا، وبدأ مسيرته السياسية من صفوف الحزب الجمهوري في الكونغرس. لم تمنعه خمس نوبات قلبية من صعوده المتواصل في السلطة، حتى أصبح أصغر رئيس موظفي البيت الأبيض، ثم وزيراً للدفاع، وأخيراً نائباً للرئيس لولايتين متتاليتين. كان مثالاً لرجل الدولة الصلب الذي يرى في الأزمات فرصاً لبناء النفوذ.
مهندس القوة التنفيذية الحديثة
كان تشيني يعتبر أن فضيحة ووترغيت قيدت سلطة الرئاسة، فعمل طوال مسيرته على استعادة تلك الصلاحيات. ومع هجمات 11 سبتمبر، وجد اللحظة التي ينتظرها لتوسيع سلطات الدولة الأمنية والاستخباراتية. تحت شعاره الشهير “العمل في الظل”، أشرف على برامج الاستجواب القاسية، والترحيل السري، والمراقبة الداخلية دون تفويض قضائي، ما جعله رمزاً لمرحلة غابت فيها الشفافية وغلبت فيها السرية باسم الأمن القومي.
العراق.. الجرح الذي لا يندمل
كانت حرب العراق ذروة نفوذ تشيني وأيضاً بداية أفوله. فبينما رأى فيها خطوة لحماية الأمن الأمريكي، تحولت إلى خطأ استراتيجي مكلف، إذ اعتمد على معلومات استخباراتية مفبركة عن أسلحة الدمار الشامل وعلاقة بغداد بالقاعدة. خلفت الحرب آلاف القتلى الأمريكيين وملايين الضحايا العراقيين، وأطلقت دوامة شكّ دائم في مغامرات واشنطن الخارجية.
تراجع النفوذ وانكسار التحالف
مع الولاية الثانية لبوش، بدأ تأثير تشيني يتضاءل. أوقف الرئيس أساليب التعذيب وأغلق السجون السرية، ما أدى إلى تباعد الرجلين. وعندما رفض بوش العفو عن مساعد تشيني، سكوتر ليبي، توترت العلاقة أكثر. لكن تشيني ظل مخلصاً لمساعده، كما ظل مدافعاً عن خياراته حتى النهاية، في وجه انتقادات متصاعدة داخل حزبه.
ظلّ يمتد إلى عهد ترامب
ورغم دعمه لترامب في انتخابات 2016 و2020، انقلب عليه بعد أحداث اقتحام الكونغرس عام 2021، فيما اختارت ابنته ليز تشيني الاصطفاف إلى جانب الدستور، فصوتت لعزله وشاركت في قيادة لجنة التحقيق. خسر الاثنان المعركة الانتخابية، لكن تشيني أنهى حياته فخوراً بابنته التي ورثت عنه الشجاعة في مواجهة السلطة.
إرث القوة والندم
يبقى ديك تشيني أحد أكثر رجال واشنطن تأثيراً وازدواجية في آن واحد؛ رجلٌ صنع قوة الرئاسة الحديثة، لكنه دفع بلاده إلى واحدة من أكثر حروبها جدلاً. ترك وراءه أمريكا أكثر حذراً، وسياسة خارجية تُراجع نفسها كل مرة قبل أن تخطو. لقد رحل “رجل الظل”، لكن إرثه ما زال يُلقي بظلاله على قرارات البيت الأبيض حتى اليوم.




