أخبــاربلاد الجوار

“حظر الكاش” يفتح أبواب الأزمة في العراق

بدأت الحكومة العراقية، بدءًا من تموز/يوليو 2025، تطبيق قرار حظر الدفع النقدي داخل المؤسسات الحكومية، وإلزام المواطنين باستخدام أنظمة الدفع الإلكتروني.

ويأتي ذلك لتعزيز الشفافية والحد من الفساد، وسط انقسام في الرأي العام حول جدوى الخطوة وإمكانية تنفيذها فعلياً في ظل التحديات التقنية واللوجستية.

ويندرج هذا التوجه ضمن حزمة إصلاحات أوسع، أعلنت عنها الحكومة العراقية أخيرًا، شملت إعادة هيكلة عدد من المصارف المملوكة للدولة.

وقال مستشار رئيس الوزراء، صالح سلمان، الأسبوع الماضي، إن “الحكومة تعاقدت مع شركة (إرنست ويونغ) لإعادة هيكلة 6 إلى 7 مصارف حكومية، من بينها الرافدين، الرشيد، الصناعي والعقاري”.

وأضاف أن “مصرف الرافدين سيُحوّل إلى (بنك الرافدين الأول) مع تقليص مساهمة الدولة إلى أقل من 24%، فيما ستُعرض الأسهم الباقية أمام المستثمرين والبنوك الخاصة”.

وأشار إلى أن البنك المركزي العراقي وقّع عقداً مع شركة “أوليفر وايمان” لإصلاح القطاع المصرفي الخاص، ما قد يؤدي إلى دمج بعض المصارف أو خروج أخرى من السوق.

وبحسب سلمان، فإن عدد أجهزة نقاط البيع (POS) بلغ ما بين 60 و 70 ألف جهاز في عموم البلاد، وبلغ عدد الحسابات المصرفية المسجلة نحو 22 إلى 23 مليون حساب.

بدوره، قال الباحث في الشأن الاقتصادي، علي دعدوش إن “الدفع الإلكتروني سلاح ذو حدين”، موضحاً أن “التطورات في التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية تفرض على العراق اللحاق بالعالم، لكن المشكلة تكمن في البنية التحتية المهترئة”.

وأضاف أن “الوصول الكامل للجباية عبر الدفع الإلكتروني يمنع الهدر المالي، ويقلّص من الفساد، لكنه يصطدم في العراق بغياب الكهرباء المستقرة، وضعف الإنترنت، وقلة الرقابة على أنظمة الحماية من الهجمات السيبرانية”.

وأشار إلى أن “عدد البطاقات المصرفية تجاوز 23 مليوناً، لكن ذلك لا يعني أن 23 مليون مواطن يمتلكون بطاقات، إذ يمكن أن يكون للفرد أكثر من بطاقة، وهو ما يجعل نحو 65% من السكان خارج منظومة الدفع الإلكتروني حالياً”، مشدداً على أن “فرض الدفع الإلكتروني لا يعني بالضرورة توسيع الشمول المالي، لأنه ليس قراراً قسرياً بل ثقافة مكتسبة بالتجربة والتعليم والثقة”.

ويرى خبراء أن نجاح هذا القرار يعتمد على قدرة الدولة على توفير بيئة إلكترونية مستقرة وآمنة، وتهيئة مؤسساتها وموظفيها والمواطنين على السواء، للانتقال من ثقافة “الكاش” إلى ثقافة “الدفع المؤتمت”.

ويخشى البعض من أن يتحوّل القرار إلى “باب فوضى إدارية” إذا لم تُحل المشكلات التقنية المتكررة، خاصة في الدوائر الخدمية التي تشهد ازدحاماً يومياً.

وفيما تؤكد الحكومة العراقية أن هذا التحول جزء من خطة لإدماج العراق في النظام المالي العالمي، يرى المنتقدون أن الشمول المالي لا يمكن فرضه، بل يبنى تدريجياً على الثقة، والبنية، والتعليم، والعدالة في الوصول إلى الخدمات.

وفي الوقت الذي تُعد فيه بطاقات الدفع الإلكتروني من الأنظمة المالية القديمة والمستقرة في معظم دول العالم، فإن العراق لم يبدأ العمل بها فعلياً إلا في عام 2016، ما يفسر التحديات التي ما تزال ترافق هذا التحول حتى اليوم، سواء من حيث ضعف البنية التحتية، أو محدودية الانتشار، أو غياب الثقافة المالية الرقمية لدى شرائح واسعة من المواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى