خارج الصندوقسياسيات متناقضةهيدلاينز

وقف العقوبات الأمريكية على طهران: تناقض أم تكتيك؟

خاص – نبض الشام

في توقيت حساس ومشحون بالتحولات الإقليمية والدولية، تعود العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران لتكشف عن وجهها الأكثر تعقيداً، فبين تهديدات متكررة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتحركات دبلوماسية خلف الأبواب المغلقة، تظهر واشنطن وكأنها تتأرجح بين العصا والجزرة.

آخر هذه المؤشرات جاء من داخل البيت الأبيض نفسه، عبر توجيه غير معتاد يقضي بوقف أي عقوبات جديدة على طهران، رغم استمرار أنشطتها النووية المثيرة للقلق، هذا التناقض يسلط الضوء على سياسة أميركية تبدو في حالة ارتباك، لا فقط تجاه إيران، بل أيضاً تجاه أدواتها التقليدية في الضغط والنفوذ.

توجيه مفاجئ
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال معلومات تؤكد أن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أصدرت توجيهاً مباشراً لكل من وزارة الخارجية والخزانة، يقضي بتجميد إصدار أي عقوبات جديدة على إيران في هذه المرحلة، القرار لم يصدر عبر القنوات المعتادة، مثل مجلس الأمن القومي أو وزارة الخزانة، بل خرج من البيت الأبيض بشكل مباشر، ما أثار استغراباً داخل الإدارة، خاصة مع غياب توضيحات رسمية بشأن مضمونه أو أبعاده.

التوجيه أبلغ به كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي، ووزارة الخزانة، ثم وزارة الخارجية، في سياق مراجعة أوسع للسياسة الأميركية تجاه إيران، لكن اللافت أن التوجيه بقي ضمن نطاق محدود، ولم يُعمّم على نطاق واسع، ما خلق حالة من الغموض داخل مكاتب القرار، خصوصاً في ظل حالة فوضى تنظيمية يعيشها مجلس الأمن القومي نفسه، بعد منح عدد كبير من موظفيه إجازات، وتداخل صلاحيات بين مؤسسات عليا.

تهدئة أم تنازل؟
البيت الأبيض لم ينكر صدور التوجيه، نائبة السكرتير الصحفي آنا كيلي اكتفت بالقول إن أي قرارات جديدة ستُعلن في حينها.
وبينما يرى بعض مسؤولي الإدارة السابقة أن القرار هدفه فقط إبطاء إصدار العقوبات ومراجعتها بتأنٍ، يعبّر آخرون عن خشيتهم من أن تكون واشنطن بصدد التخلي عن أحد أهم أدوات الضغط في مواجهة طهران، تحديداً في ملفي النفط والأصول المجمدة.

المخاوف لا تأتي من فراغ، فالتقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشفت أن إيران تواصل إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، وتخدع المفتشين الدوليين بشأن أنشطتها، هذه التطورات تُضعف الموقف الأميركي التفاوضي، وتضع علامات استفهام حول فعالية نهج التهدئة الحالي.

تناقض أم تكتيك؟
المشهد يعكس ازدواجية في التعاطي الأميركي مع إيران: خطاب متشدد مقابل خطوات عملية تنزع عناصر الضغط، هذا التناقض قد يكون محاولة لربح الوقت في انتظار تسوية أوسع، أو انعكاساً لانقسام حقيقي داخل الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعامل مع طهران.

العلاقة بين واشنطن وطهران لا تزال رهينة الحسابات المعقدة والمصالح المتضاربة، وبين قرار بتجميد العقوبات وتقارير عن أنشطة نووية مقلقة، يتبدّى مشهد سياسي غامض، لا يبعث على الاطمئنان، فالتناقض في الأداء الأميركي يفتح الباب أمام مزيد من التأزيم، بدل أن يهيئ لتفاهمات واقعية، تبنى على وضوح الاستراتيجية وثبات المواقف، لا على مفاجآت بيروقراطية قد تغيّر قواعد اللعبة بلا مقدمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى