ضربات بلا تفويض: لماذا لم يحتاج ترامب إلى موافقة الكونغرس لقصف إيران؟

ترجمة – نبض الشام
رغم أن الدستور الأميركي يخول الكونغرس صلاحية إعلان الحرب، فإن الواقع العملي يُظهر أن الرؤساء الأميركيين (ومنهم دونالد ترامب) مارسوا سلطة استخدام القوة العسكرية دون الرجوع إلى الكونغرس. تستند هذه الممارسة إلى أعراف قانونية ودستورية تطورت على مدى عقود، وتستفيد من ثغرات في تفسير قرار سلطات الحرب الصادر عام 1973. في حالة إيران، كانت المصلحة الوطنية والتهديد المباشر حاسمين في تبرير العمل العسكري الأحادي.
سلطة الرئيس لاستخدام القوة
لقد أصبح من الممارسات الرئاسية منذ عقود تنفيذ عمليات عسكرية مماثلة بشكل أحادي. كان للرئيس دونالد ترامب السلطة لإصدار أوامر بشن هجمات على منشآت الأسلحة النووية الإيرانية دون الحاجة إلى الحصول على موافقة الكونغرس مسبقاً.
إن الادعاء بعكس ذلك من قبل عدد من أعضاء الكونغرس يتعارض مع الممارسات الأمريكية المتبعة منذ عقود في ما يتعلق بنشر قوات عسكرية مماثلة. فعلى الرغم من أن الدستور يُخَصِّص للكونغرس سلطة إعلان الحرب، فإن ممارسة هذه الصلاحية تتطلب من السلطة التشريعية اتخاذ إجراءات حاسمة.
تاريخ من التدخلات الأحادية
يناقش البعض بأن قرار صلاحيات الحرب (WPR) يحظر على الرؤساء إصدار أوامر أحادية باستخدام القوة. وينص هذا القرار، الصادر عام ١٩٧٣، على أن الدستور لا يسمح للرئيس باستخدام القوات المسلحة في الأعمال القتالية إلا بموجب “إعلان حرب، أو تفويض قانوني محدد، أو حالة طوارئ وطنية ناجمة عن هجوم على الولايات المتحدة أو أراضيها أو ممتلكاتها، أو قواتها المسلحة”.
ومع ذلك، فإن كل إدارة تقريباً منذ إقرار قرار سلطات الحرب قامت بأعمال عسكرية أحادية الجانب تفوق ما هو موصوف في هذا القانون. وقد بررت وزارة العدل، في عهد كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية ذلك بالتأكيد على أن للرئيس سلطة دستورية لبدء استخدام القوة بشكل مستقل، عندما يخدم ذلك “مصالح وطنية مهمة”، وأن “طبيعة ومدى ومدة” العملية المتوقعة لا ترتقي إلى مستوى “حرب”.
قرار سلطات الحرب وأوجه التجاوز
لقد أعرب مكتب المستشار القانوني (OLC) التابع لوزارة العدل الأميركية مراراً وتكراراً عن رأيه بأن “العمليات العسكرية لا تُعد حرباً إلا عندما تتسم بـ “انخراطات عسكرية مطوّلة وجوهرية، تنطوي عادةً على تعرّض أفراد القوات الأميركية لمخاطر كبيرة على مدى فترة زمنية ممتدة”، وقد تم التعبير عن مواقف مماثلة تقريباً في عهد إدارة كلينتون، وإدارة أوباما، والإدارة الأولى لترامب.
وانطلاقاً من هذا النهج، خلص مكتب المستشار القانوني في عهد كلينتون إلى أن عملية استمرت أسبوعين في عام 1995، نفذت خلالها الولايات المتحدة أكثر من 2,300 طلعة جوية فوق البوسنة، لم تكن تتطلب تفويضاً من الكونغرس. كما خلص مكتب المستشار القانوني في عهد أوباما إلى استنتاج مماثل بخصوص الحملة الجوية الأميركية على ليبيا في عام 2011، والتي استمرت لأكثر من أسبوع وشملت استخدام أكثر من 600 صاروخ وذخائر موجهة بدقة.
علاوةً على ذلك، أصرّت معظم الإدارات الأميركية على أن قرار سلطات الحرب (WPR) يشكّل تعدياً غير دستوري على السلطة الدستورية الممنوحة للرئيس، وبالتالي فإن الرئيس غير ملزم قانونياً بتفسير هذا القرار لتلك السلطة.
إيران تهديد مباشر ومتنامٍ
وتُعد الحالة الإيرانية على الأقل بنفس درجة الإقناع مقارنةً بحالات أخرى أقدم فيها رؤساء سابقون، من الحزبين، على استخدام القوة بشكل أحادي. فبعكس بعض الحالات الأخرى التي أمر فيها رؤساء أميركيون مؤخراً بعمليات عسكرية، فإن التهديد الذي تمثّله إيران المسلحة نووياً للولايات المتحدة هو تهديد مباشر. إذ إن الولايات المتحدة ستكون عرضة لخطر جسيم يتمثل في احتمال قيام إيران بشن هجوم نووي على القوات البحرية الأميركية في الخليج العربي أو على القواعد الجوية المجاورة، خاصةً بالنظر إلى أن إيران دأبت لعقود على مهاجمة القوات الأميركية بشكل مباشر ومن خلال وكلائها.
المصالح الوطنية الأميركية الهامة التي تخدمها الهجمات على منشآت الأسلحة النووية الإيرانية، تم توضيحها بشكل أكبر من خلال تصريحات الرؤساء جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، وجو بايدن، ودونالد ترامب بشأن التزامهم باستخدام القوة إذا لزم الأمر لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. فعلى مدار العشرين عاماً الماضية، لم يتخذ الكونغرس أي إجراء لحظر أو تقييد العمل العسكري. بل على العكس، في 1 نوفمبر 2023، أقر مجلس النواب قراراً (بأغلبية ساحقة من الحزبين بلغت 354 صوتاً مقابل 53) أعلن فيه أن “من سياسة الولايات المتحدة استخدام جميع الوسائل الضرورية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي”.
وقد أصبحت المصلحة الوطنية الأميركية في مهاجمة برنامج إيران النووي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، حيث توجد أدلة قوية تشير إلى أن إيران كانت على وشك الحصول على سلاح نووي. بالإضافة إلى ذلك، كانت الهجمات تهدف إلى أن تكون محدودة من حيث النطاق والمدة، ومركّزة على تدمير منشآت فوردو وأصفهان ونطنز الإيرانية. وتستمد العملية دعماً أيضاً من القانون الدولي باعتبارها ممارسة للدفاع الجماعي عن النفس، دفاعاً عن إسرائيل.
دعم الكونغرس الصامت
ولو أراد الكونغرس أن يضمن عدم تنفيذ الضربة، لكان بإمكانه اتخاذ إجراء، ولديه السلطة القانونية لوقف أي مشاركة عسكرية مستقبلية إذا تحرّك الآن. ومع ذلك، فقد سمح الكونغرس مراراً وتكراراً بقرارات رئاسية لاستخدام القوة العسكرية دون موافقة مسبقة منه، ودعم هذه الأعمال باستمرار من خلال تخصيص الأموال لتسهيل واستمرار هذه العمليات العسكرية. لم يُعلن الكونغرس الحرب منذ الهجوم الياباني على بيرل هاربر قبل ما يقارب 85 عاماً، ومنذ ذلك الحين أصدر عدداً محدوداً فقط من التفويضات لاستخدام القوة العسكرية.
القضاء خارج المعادلة
في الوقت نفسه، رفضت المحاكم الفيدرالية في كثير من الأحيان، باعتبارها غير ملائمة للمراجعة القضائية، الدعاوى القضائية التي رفعها أعضاء في الكونغرس ضد سلطة الرئيس في استخدام القوة العسكرية بشكل أحادي، حتى في الحالات التي تنطوي على انتهاكات واضحة لقرار سلطات الحرب (WPR). ولم تصدر المحكمة العليا الأميركية أي حكم في قضية تتعلق باستخدام الرئيس للقوة العسكرية خارج البلاد بشكل أحادي. ومع رفض المحاكم المتكرر لتطبيق القرار، يصبح من الصعب بشكل متزايد الادعاء بأن القيود التي يفرضها القرار تُقيّد فعلياً تصرفات الرئيس.
خلال الأسبوع الماضي، قدّم عدد من المشرّعين مشاريع قوانين تهدف إلى تقييد سلطة الرئيس في استخدام القوة ضد إيران. لكن، ما لم ينجح الكونغرس في تمرير قانون يقيّد الرئيس، فإن للرئيس ما يبرر استناده إلى السلطة تماماً كما فعل أسلافه.
يستطيع الكونغرس أن يقيّد سلطة الرئيس في شنّ الحروب، لكن لتحقيق ذلك، عليه أن يتخذ إجراءً فعلياً، لا أن يكتفي بتوجيه الشكاوى بعد وقوع الحدث.
من يملك حق إعلان الحرب فعلياً؟
في ظل غياب تحرك فعلي من الكونغرس، تستمر سلطة الرئيس الأميركي في توجيه الضربات العسكرية دون قيد حقيقي، خاصة حين تُبرر بمصالح أمن قومي عاجلة. وبينما يتكرر الجدل حول حدود هذه السلطة، تُثبت التجارب أن العرف الرئاسي قد سبق التشريع، وأن ساحة اتخاذ القرار العسكري في الولايات المتحدة لا تُحسم دائمًا تحت قبة البرلمان.
“ترجمة أسرة نبض الشام”