أخبــاربلاد الجوار

تهديد يطال الانتخابات التشريعية في العراق

يلفّ الغموض مصير الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، بعد استقالة 6 من الأعضاء الأصلاء و3 من الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا، بينهم رئيس المحكمة، ما أدى إلى تعطيل عمل أعلى سلطة قضائية دستورية في البلاد، وفتح الباب أمام أزمة دستورية حادة.

وقدّم القضاة التسعة استقالاتهم الجماعية، الخميس الماضي؛ احتجاجًا على “ضغوط سياسية متزايدة”، وفق برلمانيين، وهو ما أفقد المحكمة نصابها القانوني، وأدى إلى إلغاء جلستها التي كانت مقررة للفصل في نزاع مالي بين بغداد وأربيل بشأن تحويل مستحقات الإقليم.

وينصّ الدستور العراقي في مادته (93 / سابعاً) على أن المحكمة الاتحادية العليا هي الجهة المختصة بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات، وهو ما يجعل وجودها شرطًا دستوريًا لا يمكن تجاوزه في أي عملية انتخابية.

يفتح تعطل المحكمة الباب أمام احتمال تأجيل الاستحقاق الانتخابي المقرر في نهاية العام الجاري، ما لم يُعد تشكيلها في وقت مناسب.

وقالت النائبة في البرلمان العراقي، نيسان زاير، إن “ما يجري اليوم داخل المحكمة الاتحادية من استقالات لم يعد مجرد خلاف إداري أو قانوني، بل تحول إلى أزمة تمس قلب النظام الدستوري في العراق”.

وأضافت أنه “لا يمكن أن نقف متفرجين في وقت يُترك فيه مصير الانتخابات رهينة لمصير المحكمة، فنحن أمام استحقاق انتخابي كبير يتطلّب مؤسسات مستقرة، وعلينا الحفاظ على استحقاقاتنا جميعها، وأبرزها الاقتراع المقبل”.

وطالبت النائبة العراقية رئاسة البرلمان والقوى السياسية بـ”التحرك لحسم هذا الملف، باعتبار أن ترك الأمور بهذا الشكل يمثل تفريطا بالدستور وبحق المواطنين في اختيار ممثليهم ضمن بيئة دستورية آمنة ونزيهة”.

تأتي استقالة قضاة المحكمة الاتحادية في وقت يعاني فيه البرلمان العراقي تعطلا شبه كامل في جلساته، إذ لم يعقد مجلس النواب سوى عدد محدود من الجلسات خلال العام الحالي، وسط خلافات حادة بين الكتل بشأن ملفات جوهرية مثل الموازنة، وتعديل قانون الانتخابات، ما يعقّد إمكانية تمرير أسماء بديلة لملء شواغر المحكمة.

وسيتعيّن على المجلس انتخاب أعضاء جدد للمحكمة الاتحادية قبل الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وهو الموعد المقرر لإجراء الانتخابات، لكن هذا المسار يواجه صعوبات كبيرة، خاصة أن آلية تشكيل المحكمة تخضع لترشيحات من مجلس القضاء الأعلى، وموافقات من البرلمان، وتتطلب توازنًا دقيقًا بين المكونات والمذاهب، وهو ما يجعل المهمة أكثر تعقيداً في ظل الظروف السياسية الراهنة.

ولطالما مثّلت المحكمة الاتحادية عاملاً حاسمًا في الاستحقاقات السياسية العراقية، لا سيما في الانتخابات الأخيرة عام 2021، حين أصدرت قرارات نهائية حسمت الجدل حول الكتلة الأكبر، وشرعية الجلسة الأولى للبرلمان، والطعن بنتائج بعض الدوائر.

من جهته، قال الخبير القانوني بلال الزبيدي إن “استقالة رئيس المحكمة الاتحادية وعدد من أعضائها تُعد خطوة غير مسبوقة تهدد الأسس الدستورية للدولة العراقية”.

وأضاف أن “المحكمة تعد وفق المادة (92) من الدستور هيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً، وتمارس وظائف محورية مثل الرقابة على دستورية القوانين، وتفسير النصوص الدستورية، فضلًا عن المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات النيابية”، مشيرا إلى أن “استقالة أغلب أعضائها تفضي إلى تعطل فعلي للمحكمة وغياب النصاب القانوني المطلوب لممارسة مهامها، وهو ما يؤدي إلى فراغ دستوري يهدد بتأجيل أو حتى إلغاء العملية الانتخابية”.

وأوضح الزبيدي أن “إعادة تشكيل المحكمة تتطلب توافقًا سياسيًا عاليًا واستعادة قوة البرلمان، إضافة إلى ضرورة تعديل بعض النصوص القانونية المتعلقة بتعيين القضاة، لضمان عدم تكرار هذا الفراغ مستقبلًا”.

ويحذر مختصون من أن التأخير في معالجة هذه الأزمة قد يفتح الباب أمام انقسامات أعمق داخل النظام السياسي العراقي، خصوصاً مع تصاعد الأصوات المطالبة بمراجعة العلاقة بين القضاء والسياسة، وتحصين المؤسسات القضائية من الضغوط الحزبية والطائفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى