تفجير “مار إلياس”: مسيحيو سوريا بين الخوف والمطالبة بالحماية

خاص – نبض الشام
أعاد التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة “مار إلياس” في حي دويلعة بدمشق إلى الواجهة مخاوف مسيحيي سوريا بشأن أمنهم وسلامتهم، بعد سنوات من الهدوء النسبي. الحادثة التي وقعت أثناء أداء الصلوات بحضور نحو 200 شخص، خلّفت عشرات الضحايا وأثارت تساؤلات حول قدرة الحكومة على حماية الأقليات الدينية. وبين دعوات للمحاسبة وتحذيرات من استغلال طائفي، تتجدد المطالب بضمان الأمن والمساواة لجميع المواطنين السوريين.
الهجوم يفتح جراح القلق
أسفر التفجير الانتحاري داخل كنيسة “مار إلياس” بتاريخ 22 يونيو عن مقتل أكثر من 27 شخصاً وإصابة 63 آخرين، خلال حضور ديني أسبوعي. الهجوم لم يقتصر تأثيره على الأضرار الجسدية، بل زرع الخوف في نفوس أبناء الطائفة المسيحية، خاصة في المناطق الشرقية من دمشق، حيث تتركز العديد من الكنائس داخل أحياء ذات غالبية مسيحية.
هشاشة أمنية وغياب الردع
تُبرز الحادثة خللاً أمنياً واضحاً، بحسب شهادات أهالي الحي وخبراء، ما يعكس استمرار ضعف سيطرة الحكومة على الأوضاع رغم مرور فترة على سقوط النظام السابق.
إذ عبر أحد سكان دويلعة عن قلقه من استهداف دور العبادة المسيحية مجدداً، رغم الاطمئنان النسبي الذي شعر به المسيحيون خلال أعياد الميلاد والفصح في ظل الانتشار الأمني آنذاك.
دعوات للحماية والمساواة
كما أكد مواطن آخر من سكان دويلعة، أن من واجب الحكومة تأمين الحماية لجميع دور العبادة من دون تمييز، مطالباً بفرض الأمن بشكل فعّال لضمان عدم تكرار هذه الحوادث. وشدد على أن على الدولة أن تضمن السلامة لكل مكوناتها، دون استثناء ديني أو طائفي.
استغلال طائفي وخطر “الفكر الداعشي”
من جهته، حذّر مؤيد حبيب، المدير التنفيذي لمركز “مقاربات للتنمية السياسية”، من أن جهات تخريبية وتنظيمات متطرفة، أبرزها تنظيم “الدولة الإسلامية”، تسعى لاستهداف الأقليات بغرض تأجيج الفتنة، بعد أن كانت قد وجهت هجماتها ضد العلويين والدروز، والآن ضد المسيحيين. ويرى حبيب أن الفكر المتشدد بات أداة بيد جهات داخلية وخارجية لزعزعة الاستقرار.
اتهامات صريحة للحكومة
خلال مراسم تشييع الضحايا، ألقى بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر يازجي، باللوم على الحكومة السورية محمّلاً إياها مسؤولية الحادث.
وأكد يازجي على أن على الحكومة تأمين السلام لكل المواطنين دون استثناء، متسائلاً عن الجهة التي تقف خلف هذه الجريمة.
كما عبّر الأب ملاتيوس شطاحي عن استيائه من غياب الردع تجاه الانتهاكات التي طالت أبناء الطائفة، واعتبر أن التكرار يجعل منها أشبه بسلوك مؤسساتي.
رد الحكومة والجهات الأمنية
بحسب المحلل السياسي أحمد حمادي، فإن الحكومة السورية أبدت اهتماماً مباشراً بالحادث، مؤكدة أن المصيبة جمعت الجميع دون تمييز بين دين أو طائفة.
وأشار حمادي إلى أن الجهات الأمنية أوقفت نشاط ما يُعرف بـ”سيارات الدعوة الدينية” التي كانت تجوب أحياء مسيحية وأثارت مخاوف السكان، وسُجن المسؤولون عنها.
الأمن للجميع
كما أكد على ضرورة أن تعزز الحكومة حضورها الأمني وتفرض القانون على جميع المخالفين دون تمييز، مشدداً على أن الأمن في سوريا يجب أن يكون شاملاً وعادلاً، يخدم جميع مكوناته الدينية والطائفية بلا استثناء أو تفضيل، منوهاً أن الوضع الأمني بات أكثر تنظيماً مقارنة بالأشهر الأولى بعد سقوط النظام.
دور المجتمع المدني ومطلب الشراكة
يرى مؤيد حبيب، المدير التنفيذي لمركز “مقاربات للتنمية السياسية” أن تعزيز الأمن لا يمكن أن يكون مسؤولية الحكومة وحدها، في ظل تحديات إعادة بناء الدولة. ودعا إلى إشراك منظمات المجتمع المدني في ترسيخ ثقافة المواطنة ونبذ الطائفية، مشيراً إلى أهمية دور منظمات مثل “متحدون ضد العنصرية والطائفية”، التي يمكنها ملء الفراغ بثقافة الانتماء الوطني والتسامح.
حادثة تفجير كنيسة “مار إلياس” أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في بعض مناطق سوريا، وفتحت الباب أمام تساؤلات كبرى عن قدرة الحكومة على حماية الأقليات وضبط الفتن. وفيما تتعالى الأصوات المطالبة بالمحاسبة وتعزيز الأمن، يبقى الأمل معقوداً على شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني، تضمن أمنًا متساويًا وسلامًا دائمًا لكل السوريين.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”