القمح في اللاذقية: ذهب الأرض وحصاد الدعم الحكومي

خاص – نبض الشام
في قلب محافظة اللاذقية، وتحديداً في مركز قبو العوامية، بدا هذا الموسم الزراعي مختلفا، إذ شهد المركز إقبالاً ملحوظاً من المزارعين على تسليم محصول القمح، رغم الظروف المناخية القاسية التي أثرت سلبا على الإنتاج، فقد تجاوزت الكمية المُسلّمة 259,160 طناً حتى الثالث والعشرين من حزيران الحالي، وهو رقم لافت مقارنةً بالتوقعات التي رجّحت انخفاض الإنتاج نتيجة شحّ الأمطار، لكن ما دفع المزارعين إلى المثابرة لم يكن الطقس وحده، بل السياسات الحكومية الجديدة التي زرعت الثقة ورفعت من معنويات الفلاحين.
الحكومة، ممثلة بمؤسسة الحبوب في اللاذقية، أدركت مبكرا أهمية تهيئة الظروف المناسبة لتسويق القمح، ليس فقط كمحصول اقتصادي بل كركيزة سيادية في أمن الغذاء الوطني، فبدأت بخطوات عملية تمثلت في تجهيز المركز بكفاءة بشرية عالية وكوادر ذات خبرة، مع الحرص على جاهزية الصوامع والقبابين والمعدات اللوجستية كافة.
لم يكن الدعم لوجستيا فقط، بل امتد ليشمل وسائل نقل مجانية لكل مزارع يمتلك خمسة أطنان أو أكثر من القمح، وهو ما خفف من أعباء التكاليف وساعد على تسريع عملية التسليم.
أما المحفّز الأبرز فكان المكافأة المالية الممنوحة لكل طن من القمح المسلّم، والتي بلغت 130 دولاراً، في خطوة وصفت بأنها الأولى من نوعها على هذا المستوى من الجدية، لم يكن الهدف من هذا المبلغ فقط تشجيع الفلاح على البيع، بل أيضا تعويضه عن الخسائر التي تكبدها بسبب التغيرات المناخية ونقص الموارد، هذه الخطوة المالية أعادت رسم العلاقة بين الدولة والفلاح، فبات الأخير يشعر بأن مجهوده مقدّر ومردوده مضمون.
ولم تغفل المؤسسة عن الجانب الإداري، فعملت على تبسيط الإجراءات وتقديم حلول فورية لأي شكوى ترد من الفلاحين. كما اعتمدت آلية دقيقة لصرف المستحقات المالية، بحيث تُدرج قوائم الشراء وفق برنامج محدّث، ويُوثق رقم حساب “شام كاش” لكل مزارع، ثم تُرسل القوائم إلى الإدارة العامة في دمشق ليُصرف المبلغ مباشرة إلى حساب الفلاح، دون وسيط أو تأخير، هذه الشفافية أعطت المزارع شعورا بالأمان، وساهمت في ترسيخ الثقة بالمؤسسات الرسمية.
إن هذا التفاعل الإيجابي بين الدولة والمزارعين لم يسهم فقط في تسويق القمح الحالي، بل زرع بذور أمل لمواسم قادمة أكثر إنتاجا وربحا، فكل مزارع سلّم محصوله هذا العام، سيفكر جديًا في توسيع رقعة زراعته في العام المقبل، لأنه بات يرى في القمح استثمارا مضمونا لا مغامرة محفوفة بالخسائر.
إن تجربة مركز قبو العوامية يمكن اعتبارها نموذجا ناجحا لتكامل العمل الزراعي مع الرؤية الحكومية الحالية، فالقمح لم يعد مجرد محصول موسمي، بل أصبح عنواناً للسيادة الاقتصادية والاجتماعية، وحين يُمنح الفلاح ما يستحق، تثمر الأرض ذهباً، ويحصد الوطن استقراره الغذائي.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”