بلاد المهجرتداعيات المواجهة الإسرائيلية الإيرانيةترجمات نبضتقاريرنبض الساعةهيدلاينز

إسرائيل فتحت باب النار… فهل تملك مفاتيح الإغلاق؟

في لحظة بدا فيها ميزان القوى متقلباً بين واشنطن وطهران، قررت إسرائيل توجيه ضربة خاطفة وموجعة إلى قلب المشروع الإيراني. وبين مقال في “واشنطن بوست” وترجمه نبض الشام أن رغم دقة الهجوم، يبقى التحدي الأصعب: كيف تُغلق إسرائيل هذه الجولة دون إشعال حرب شاملة؟

بينما كانت الولايات المتحدة وإيران تتنازعان على النفوذ، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع أنه لم يعد يستطيع الانتظار أكثر.

وجهت إسرائيل ضربةً حاسمةً يوم الجمعة استهدفت ما وصفه قادتها بـ”رأس الأفعى”، حيث اغتالت كبار القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين الذين ساهموا في إدارة البرنامج النووي الإيراني وحلفائه، بالإضافة إلى مجموعة من الأهداف العسكرية الأخرى. في ساعاتها الأولى، بدا أن هذه الضربة كانت مُعدّة لـ”قطع الرأس”، تماماً مثل الهجوم الإسرائيلي المدمر الذي شنته إسرائيل خريف العام الماضي على حزب الله في لبنان.

لكن من الصعب القضاء على هذه الأفعى.. خاصةً وأن الرئيس دونالد ترامب، الزعيم والحليف الأقرب لإسرائيل، يلعب دور “ساحر الأفاعي”. فقد قال ترامب يوم الجمعة: “منحت إيران فرصة تلو الأخرى لإبرام صفقة”، محذراً القادة الإيرانيين من أن “ما هو قادم من إسرائيل أكثر بكثير”، ثم ناشدهم في المنشور نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي: “أبرموا صفقة، قبل أن لا يبقى شيء، وأنقذوا ما كان يُعرف يوماً بالإمبراطورية الإيرانية”.

هذه النافذة الدبلوماسية التي فتحها ترامب تجاه إيران، مستنداً إلى القوة العسكرية الساحقة لإسرائيل، تُعد واحدة من أكثر خطواته طموحاً خلال رئاسته. لكن بالنظر إلى الأدوات السرية التي تمتلكها إيران للرد ،وخاصة عبر علاقاتها بعناصر القاعدة في اليمن وأفغانستان، على ترامب أن يتذكر أنه بحاجة إلى التحرك بحذر. فسوء تقدير إيران قد يُسفر عن عواقب وخيمة.

تأهبت إسرائيل يوم الجمعة تحسباً لهجمات انتقامية إيرانية ، إذ بدأت بهجوم شنّته 100 طائرة مسيّرة. ثم تصاعد الرد بعد الساعة التاسعة مساءً بتوقيت إسرائيل، حينما أطلق الإيرانيون، بحسب تقارير ميدانية، حوالي 100 صاروخ باليستي. واستمر الجانبان في تبادل الضربات طوال الليل، مما أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا في كلا البلدين، وتدهور الوضع نحو حرب شاملة.

ويأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون هذه الحملة، التي بدأت يوم الجمعة وقد تستمر لأيام، هي الجولة الحاسمة في الحرب التي انطلقت في 7 أكتوبر 2023، حينما شنّت حركة حماس المدعومة من إيران هجوماً عبر حدود غزة. ومن المرجّح أن نتنياهو اختار التوقيت لأنه يعتقد أن إيران لن تكون أبداً أكثر ضعفاً من الآن ،وربما أيضاً لأنه أراد إحباط مبادرة ترامب الدبلوماسية التي لا يثق بها.

العنصر المفاجئ في هذا الصراع هو موقف الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأكبر، التي تقف حتى الآن على الحياد. نادراً ما أصدر وزير خارجية أمريكي تصريحاٍ بارداً بعدم الانحياز كالذي صدر عن ماركو روبيو في الساعات الأولى للهجوم، حين قال: “لسنا مشاركين في الضربات ضد إيران، وأولويتنا القصوى هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة”. لكن مع تصاعد الرد الإيراني، سيكون من الصعب على ترامب مقاومة الضغوط السياسية المتزايدة للتدخل إلى جانب إسرائيل، وقد أفاد موقع Axios مساء الجمعة أن الجيش الأمريكي بدأ بالفعل بتقديم الدعم لإسرائيل بطرق لم يتم الكشف عنها.

بدأ الخلاف بين نتنياهو وترامب بعد تنصيب الأخير بفترة وجيزة. إذ زار نتنياهو واشنطن في فبراير، آملاً الحصول على دعم ترامب لحملة قصف ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن ترامب رفض، وفي اجتماع بالبيت الأبيض في أبريل، وبينما جلس نتنياهو في حالة من التوتر أعلن عن فتح مفاوضات مع طهران.

وقد أسفر ذلك عن لعبة ثلاثية الأطراف في الأسابيع الأخيرة ،حيث هددت إسرائيل بالحرب مع إيران بينما حاولت أميركا إقناعها بالسلام. وبدت إسرائيل مهددة بدبلوماسية ترامب بقدر ما هي مهددة بصواريخ إيران. ولهذا، قرر نتنياهو هذا الأسبوع أنه لم يعد يستطيع الانتظار.

شنت إسرائيل هجوماً بارعاً وسرياً فجر الجمعة. باستخدام طائرات مسيّرة وأسلحة أخرى متمركزة مسبقاً، نفذت ضربات دقيقة على منازل محمد باقري، رئيس الأركان الإيراني، وثلاثة جنرالات كبار آخرين. كما أفادت التقارير يأن إسرائيل اغتالت عالمين نوويين بارزين. وأكدت لقطات الفيديو من طهران دقة الضربات ،إذ أظهرت طابقاً واحداً من مبنى سكني وقد تم تدميره بينما بقيت الطوابق الأخرى سليمة.

صرّح أميت سيغال، وهو صحفي إسرائيلي مطلع، بأن الموساد أنشأ قاعدة طائرات بدون طيار في قلب طهران، مشيراً إلى أن إسرائيل وضعت هذه الأسلحة داخل البلاد قرب مجمعات الدفاع الجوي وعلى مركبات متنقلة خاصة، لتتمكن من تعطيل الدفاعات الإيرانية لحظة بدء الهجوم.

أفادت التقارير أن إسرائيل استخدمت أكثر من 200 طائرة مقاتلة، وشنّت ضربات على عدة دفعات. وقصفت المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وأصفهان وفوردو، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. يشير حجم الهجوم إلى أن إسرائيل، كما ادعت، قد دمّرت إلى حد كبير الدفاعات الجوية الإيرانية في غارتها في أكتوبر والجولة الأخيرة يوم الجمعة. وبحلول نهاية يوم الجمعة، بدت إيران مكشوفة جوياً مثل غزة أمام الغارات الإسرائيلية.

حتى الخريف الماضي، كانت القوة الرادعة الرئيسية لإيران تتمثل في ترسانة حزب الله الصاروخية الضخمة في لبنان. أما الآن، فقد جرى تحييد هذه الترسانة إلى حد كبير عبر الضربات الإسرائيلية، وقد تعهد الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة بالبقاء خارج الصراع.

لكن لدى إيران وسائل أخرى للرد. إحداها، التي لم تحظَ بالكثير من الاهتمام، هي علاقتها بفروع تنظيم القاعدة. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين في مكافحة الإرهاب، بنت طهران علاقات جيدة مع “الأمير” الجديد الفعلي للقاعدة، سيف العدل، الذي تولى القيادة عام 2023 بعد مقتل أيمن الظواهري.

وقد تمثل جماعة القاعدة في اليمن خطراً خاصاً. بقيادة سعد بن عاطف العولقي، الذي نشر مقطع فيديو مرعب هذا الشهر هدد فيه المسؤولين الأمريكيين. وقال لمؤيديه: “طاردوا حثالة الأرض ومجرميها”، مُسمّياً ترامب، ونائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسث، والرئيس التنفيذي السابق لشركة دوج إيلون ماسك. وأضاف: “لم تعد هناك خطوط حمراء بعد كل ما جرى لشعبنا في غزة”. ووفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست، دعا العولقي المسلمين في أوروبا وأمريكا إلى التأكد من “عدم وجود مكان آمن واحد لليهود”.

لا خلاف على براعة إسرائيل التكتيكية. لكن في هجومها الأخير على إيران (كما في حملاتها السابقة في غزة ولبنان وسوريا واليمن) يبدو أنها لم تفكر كثيراً في “اليوم التالي”. هل تسعى إسرائيل لتغيير النظام في إيران؟ لتغيير مسارها الثوري بشكل دائم؟ على ما يبدو هذه كانت رسالة نتنياهو للشعب الإيراني في خطابه المتلفز مساء الجمعة، حيث قال: “هذه فرصتكم للوقوف وإسماع صوتكم”. لكن هناك خطر التهور. وقد يضطر نتنياهو في النهاية إلى الاكتفاء بضربة تحجّم التهديد النووي الإيراني لعدة سنوات، لكنها تمهّد لانفجار في المستقبل.

وينطبق الشيء نفسه على دبلوماسية ترامب. هل يقصد إنهاء الحرب الباردة مع إيران التي بدأت بثورة 1979 وهتاف “الموت لأمريكا”؟ أم أن تعهده بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي سيقحم أمريكا في حلقة جديدة من الهجوم والرد؟ وكما بينت عقودٌ عديدة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنّ الصراعات مع إيران من السهل إشعالها، ولكن من الصعب إطفاؤها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى