
خاص – نبض الشام
تشهد سوريا منذ سنوات طويلة أزمة تهريب بشر متفاقمة، تفرعت منها تداعيات إنسانية وأمنية مستمرة، وعلى الرغم من التطورات السياسية وتبدل ميزان القوى في البلاد، لم تتوقف شبكات التهريب، بل حافظت على نشاطها عبر الحدود والبحر، مهددة حياة المدنيين واستقرار الدول المجاورة.
يتناول هذا المقال التحليلي أبعاد هذه الأزمة، مستعرضاً الجهود المبذولة لمواجهتها، والتغيرات في أنماط اللجوء السوري، والعوامل التي تُغذي استمرار هذه الظاهرة.
الحملة البحرية السورية
في خطوة لافتة، أعلنت وزارة الدفاع السورية عن تنفيذ حملة بحرية في الثامن من أيار الجاري، استهدفت مراكب تهريب البشر، تخللت العملية اشتباكات استمرت لساعات، أفضت إلى اعتقال مهربين ومصادرة أسلحة ومعدات.
ورغم هذه التحركات، فإن نطاقها الجغرافي والعملياتي يبقى محدوداً، لا سيما في ظل استمرار نشاط المهربين في مناطق مختلفة من البلاد، وضعف السيطرة المركزية على العديد من المعابر الحدودية.
لبنان شريك في المواجهة أم بوابة للهروب؟
التعاون الأمني بين الجيش اللبناني ونظيره السوري أدى إلى إحباط محاولة تهريب 27 سورياً عبر البحر شمالي لبنان، نهاية نيسان الماضي، هذه العملية ترافقت مع إغلاق عدد من المعابر غير الشرعية التي كانت تُستخدم في السابق لعمليات تهريب بشر وسلاح ومخدرات.
إلا أن السؤال يبقى حول فعالية هذه الإجراءات على المدى الطويل، في ظل تداخل المصالح السياسية والأمنية بين الأطراف الفاعلة، سواء كانت دولاً أو عصابات عابرة للحدود.
تراجع اللجوء لا يعني انتهاء الأزمة
رغم انخفاض عدد طلبات اللجوء المقدمة من السوريين إلى أوروبا، والذي بلغ نحو 5000 طلب فقط خلال شباط الماضي، وفقاً لوكالة اللجوء الأوروبية، فإن الأزمة ما زالت قائمة في العمق، فالتراجع في الأعداد لا يعكس تحسناً في الوضع داخل سوريا، بل يرتبط بقيود الهجرة الأوروبية، وتغير في أولويات طالبي اللجوء، وتحول مسارات الهجرة.
ومع تراجع تصنيف السوريين إلى المرتبة الثالثة بعد الفنزويليين والأفغان، بات من الواضح أن البيئة الدولية لم تعد متاحة بالمرونة التي كانت عليها في السنوات الماضية.
ظاهرة معقدة
أزمة تهريب البشر من سوريا تمثل إحدى أخطر الظواهر الناتجة عن تفكك الدولة واستمرار النزاع، ورغم الجهود العسكرية والأمنية المبذولة، تبقى المعالجة الجذرية بعيدة المنال دون تغيير سياسي شامل يضع حداً للفوضى والانهيار المؤسساتي.
وإن مكافحة التهريب لا تتطلب فقط حملات أمنية، بل استراتيجية شاملة تشمل التنمية، والعدالة، وتوفير البدائل الآمنة للهجرة، مع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي على أسس الشفافية والمساءلة.