ترامب ورئيس جنوب أفريقيا: من الود إلى الصدام

خاص – نبض الشام
في مشهد غير مسبوق من التوتر داخل أروقة البيت الأبيض، شهد اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا تحولاً درامياً من الود الدبلوماسي إلى صدام سياسي علني، وسط أجواء من التناقض، اتهم ترامب نظيره الجنوب أفريقي بالتغاضي عن “اضطهاد” المزارعين من ذوي البشرة البيضاء، مستنداً إلى مقاطع مصورة ومقالات مثيرة للجدل، تبين لاحقاً أن كثيراً منها مضللة أو خارجة عن سياقها، هذا اللقاء كشف عن فجوة عميقة في تفسير الوقائع بين الطرفين، وأثار ردود فعل واسعة محلياً ودولياً.
بداية ودية… ونهاية مشحونة
بدأ اللقاء بين الرئيسين بأجواء يسودها الاحترام المتبادل والحديث عن التعاون الاقتصادي، إلا أن ترامب سرعان ما غير نبرة الحوار عندما طلب من مساعديه عرض فيديو يحتوي على مشاهد قال إنها لاضطهاد مزارعين بيض البشرة، تضمنت المقاطع شخصية مثيرة للجدل في جنوب أفريقيا، يوليوس ماليما، وهو يردد أغنية تعتبرها بعض الأطراف تحريضاً على العنف ضد البيض.
الصلبان البيضاء: حقيقة أم تضليل؟
أحد المشاهد التي أثارت الجدل كانت صور لصفوف من الصلبان البيضاء، قال ترامب إنها قبور لمزارعين بيض قتلوا نتيجة هجمات عنصرية، غير أن التحقيقات الصحفية، وعلى رأسها تقرير من بي بي سي، كشفت أن الموقع لم يكن مقبرة، بل نصباً تذكارياً مؤقتاً أُقيم لتكريم زوجين قُتلا في حادثة واحدة عام 2020، كما أظهرت صور من “غوغل ستريت فيو” أن الصلبان لم تعد موجودة منذ سنوات.
جدلية.. رمزية
عرض ترامب كذلك مقاطع لأغانٍ مثل “اقتل البور”، والتي تعود إلى الحقبة المناهضة للفصل العنصري، وتثير الجدل بسبب دلالاتها العنصرية، وبينما اعتبرها ترامب دليلاً على التحريض الرسمي ضد البيض، أوضح رامافوزا أن من يرددون هذه الأغاني لا يمثلون الحكومة، وأن من يقودها – مثل ماليما وزوما – لا يشغلون مناصب رسمية حالياً، بل ينتمون إلى المعارضة.
تضليل؟!
من أبرز لحظات اللقاء التي أثارت الاستغراب، قيام ترامب بعرض مقالات وصور ادعى أنها توثق مقتل مزارعين بيض، ليتضح لاحقاً أن بعضها مقتطف من أحداث وقعت في الكونغو الديمقراطية، ولا علاقة لها بجنوب أفريقيا، هذا التناقض وضع موقف ترامب تحت المجهر، واتُهم بتضخيم رواية “إبادة البيض” من أجل مكاسب سياسية داخلية.
موقف جنوب أفريقيا الرسمي
الرئيس رامافوزا رد بهدوء على مزاعم ترامب، مؤكداً أن حكومته ترفض كل أشكال التمييز العنصري، سواء ضد السود أو البيض، وأن ما يُروّج له لا يعكس واقع الأوضاع في بلاده، كما أشار إلى أن معدلات الجريمة المرتفعة تشمل جميع الفئات، ولا تستهدف عرقاً بعينه.
صورة معقدة
اللقاء بين ترامب ورامافوزا لم يكن مجرد نقاش دبلوماسي، بل كان صراعاً سردياً حول من يملك رواية الحقيقة، وبينما حاول ترامب تسويق أزمة اضطهاد مزارعين بيض، جاءت الوقائع لتُظهر صورة أكثر تعقيداً، تخلو من التعميمات السهلة وتحتاج إلى تفكير نقدي بعيداً عن التحريض السياسي، في عالم تتداخل فيه الحقائق مع الأجندات، تبقى الموضوعية والتمحيص السبيل الوحيد لفهم الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يُرى.