
خاص – نبض الشام
بدأت ملامح تقارب جديد بين سوريا وتركيا تتبلور من خلال التعاون في القطاع الصحي، وقطاعات حيوية أخرى، أبرزها ما يتعلق بمجال النقل.
الصحة.. بوابة التقارب
لقاء جمع وزير الصحة السوري الدكتور مصعب العلي بوفد من وزارة الصحة التركية، برئاسة الدكتور مصطفى تاشكن، ناقش إمكانية تشغيل مشفيين متخصصين في دمشق وحلب.
تركيا أبدت استعدادها لتشغيل كل مشفى بطاقة 150 سريراً، وتأمين الكوادر والتجهيزات اللازمة، وسط ترحيب من الجانب السوري بهذه المبادرة.
كما عبّرت سوريا عن انفتاحها على أي تعاون يهدف إلى تحسين الواقع الصحي، خاصة في ظل التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق على هذا القطاع.
التعاون الصحي ليس سوى جزء من توجه تركي أوسع نحو دعم القطاعات الحيوية في سوريا، وفق تصريحات صادرة عن مسؤولين أتراك، وعلى رأسهم رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية نائل أولباق، وتأكيد الاهتمام الكبير بالمشاركة في تطوير البنية التحتية، خصوصاً في مجالات الطيران، الاتصالات، والموانئ.
هذا التوجه يعكس رغبة أنقرة في لعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا الجديدة، وتثبيت موطئ قدم اقتصادي واستراتيجي في مرحلة ما بعد الأسد.
ضمن هذا السياق، أعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، عن خطة شاملة تضم 11 إجراء و39 خطوة تنفيذية، تهدف إلى تحديث قطاعات النقل والاتصالات في سوريا.
تشمل الخطة إعادة تأهيل خطوط السكك الحديدية بين حلب والمناطق الحدودية، وتطوير مطاري دمشق وحلب، وتقديم دعم فني ولوجستي عبر إرسال خبراء أتراك.
كما شملت الخطة تقييم وضع ميناء طرطوس وإمكانية إشراك تركيا في تشغيله، ما يشير إلى نوايا تركية بعيدة المدى تتجاوز الدعم الفني إلى شراكات تشغيلية.
ممر إقليمي
الربط المحتمل لسوريا بمشروع “طريق التنمية” الذي أعلنته تركيا، يشكل بُعداً استراتيجياً جديداً في العلاقات بين البلدين.
المشروع يهدف إلى تقليص مدة الشحن من الشرق الأقصى إلى أوروبا، ويمر عبر الموانئ العراقية والتركية، مع احتمالية دمج البنية التحتية السورية ضمنه، هذا الربط قد يعزز مكانة سوريا كممر تجاري إقليمي، ويمنح تركيا نفوذاً إضافياً في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة.
أبعاد عميقة
التقارب السوري التركي لا يخلو من دلالات سياسية، أنقرة تسعى إلى منع تمدد نفوذ خصومها في الملف السوري، وخلق بيئة استقرار على حدودها الجنوبية، في المقابل، تحتاج سوريا إلى شريك قوي يساهم في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
هذه المصالح المشتركة تفتح المجال لتطور تدريجي في العلاقة، يبدأ من الاقتصاد والخدمات، وقد يتوسع ليشمل ملفات الأمن والسيادة.
نظرة مستقبلية
التحركات الأخيرة توحي بمسار جديد يتشكل بين دمشق وأنقرة، يتجاوز التوترات السابقة ويقوم على المصالح المشتركة، نجاح هذا المسار مرهون بمدى التزام الطرفين بتجاوز إرث الماضي، والتعامل بواقعية مع التحديات السياسية والاقتصادية المقبلة.