
خاص – نبض الشام
تشكل بلاد الشام إطاراً جغرافياً وتاريخياً وثقافياً موحداً يربط شعوب “سوريا، فلسطين، لبنان، والأردن” في نسيج حضاري عميق يتجاوز الحدود السياسية الراهنة، وفي هذا السياق، تأتي الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى دمشق — بعد انقطاع دام أكثر من 16 عاماً — لتعيد إلى الأذهان الدور المركزي لهذا الإقليم في صناعة التوازنات الإقليمية وتشكيل الوعي القومي العربي.
حدث يتجاوز الحدود
تكتسب زيارة عباس إلى سوريا، واللقاء بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، أهمية استثنائية، كونها تأتي في أعقاب تحول جذري شهدته البلاد مع انتهاء حكم بشار الأسد في ديسمبر 2024، بعد أكثر من عقد من الصراع الداخلي الدامي، والذي ألقى بظلاله على المشهد السياسي للمنطقة بأكملها، ولا سيما فلسطين.
إذ تمثل هذه الزيارة إعادة انفتاح فلسطيني على سوريا، لا باعتبارها فقط دولة جوار، بل كجزء لا يتجزأ من فضاء بلاد الشام، الذي لطالما شكل عمقاً استراتيجياً للقضية الفلسطينية، فالعلاقة بين دمشق والقضية الفلسطينية تاريخياً لم تكن مجرد علاقة دعم سياسي، بل ارتباطاً جغرافياً ومصيرياً عززته وحدة الثقافة والمصالح والتاريخ النضالي.
بلاد الشام: وحدة وتحديات
إن المفهوم الجيوسياسي لـ”بلاد الشام” يعود إلى ما هو أعمق من التسمية، فهو يعبّر عن وحدة الأرض والمصير لشعوب عانت من التفتيت الاستعماري والانقسامات السياسية، وقد ظل هذا الإقليم منذ مطلع القرن العشرين ساحة مركزية للصراع العربي – الإسرائيلي، وميداناً لتقاطع المصالح الدولية والإقليمية.
ويمثل ترميم العلاقات الفلسطينية – السورية خطوة نحو إعادة تنشيط محور بلاد الشام، الذي تأثر بشدة نتيجة للانقسامات والصراعات الداخلية والحروب، فاللقاء بين عباس والشرع يُعيد تسليط الضوء على إمكانية إعادة بناء موقف سياسي موحد تجاه الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد فشل خيارات التسوية الأحادية وسياسات العزل.
المشهد المتغير
خروج سوريا من مرحلة البعث وعائلة الأسد لا يعني فقط تغيّر في الوجوه، بل بداية إعادة صياغة المشهد السياسي في المشرق العربي، وبالنسبة لفلسطين، فإن النظام السوري الجديد يشكل فرصة لإعادة ترتيب العلاقة بعيداً عن السياسات السابقة التي كثيراً ما خلطت بين دعم المقاومة واحتكار القرار الفلسطيني.
والتحول السوري الداخلي يمكن أن يفتح الباب أمام رؤية مشرقية متجددة، تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها جوهر النضال العربي.
وقد يكون لهذا اللقاء — الذي سبقه لقاء مماثل في قمة القاهرة الطارئة — دلالات تتجاوز اللحظة، وتشير إلى توجه فلسطيني نحو تنويع الحلفاء والاستفادة من التغييرات الإقليمية.
فرصة تاريخية
ليس من المبالغة القول إن اللحظة الراهنة قد تشكل فرصة تاريخية لبناء شراكة نوعية في بلاد الشام، يكون عمادها التعاون الفلسطيني-السوري، وامتدادها الطبيعي نحو لبنان والأردن، شراكة تقوم على تبادل المصالح، ودعم التحرر، وتحقيق التنمية الإقليمية بعيداً عن الهيمنة والمحاور.
وقد تكون إعادة التواصل بين الطرفين، مؤشر رغبة فلسطينية في التحرر من اصطفافات ضيقة، والانفتاح على رؤية أكثر شمولية للمنطقة، تنبع من منطق بلاد الشام لا من التجاذبات الدولية أو الانقسامات الداخلية.
بلاد الشام في قلب التحول
تشير زيارة عباس إلى سوريا الجديدة، بكل ما تحمله من رمزية، إلى لحظة تحول في المنطقة قد تكون بداية لإعادة رسم خريطة التحالفات.
وضمن هذا السياق، يستعيد مصطلح “بلاد الشام” أهميته، ليس فقط كوصف جغرافي، بل كإطار لتحالف إقليمي محتمل يعيد للقضية الفلسطينية عمقها الطبيعي والتاريخي، ويفتح الباب أمام فصل جديد من العمل المشترك في مواجهة الاحتلال والتجزئة.