ولادة حزب جديد.. بروح البعث القديمة: دمشق تُجمّل الماضي باسم التغيير
خاص – نبض الشام
إصلاح شكلي أم إعادة إنتاج للنظام؟
بينما يُفترض أن تشكل المرحلة الانتقالية في سوريا بداية عهد سياسي جديد يقوم على التعددية والحرية، تتكشف ملامح مشروع مغاير تماماً لهذا الهدف. فالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وبإشراف مباشر من “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، يمهد لتأسيس حزب جديد يبدو أقرب إلى نسخة معدّلة من حزب البعث. هذا التحرك يثير تساؤلات جوهرية حول مدى صدقية الإصلاح السياسي، وهل ما يجري هو ولادة حياة حزبية جديدة أم عملية تجميل للنظام القديم بوجه حديث؟
المرحلة الانتقالية تحت السيطرة
في وقتٍ لم يصدر فيه بعد قانون الأحزاب الجديد، تشهد دمشق تحضيرات شبه سرية لتأسيس حزب سياسي يتبع للرئيس الانتقالي أحمد الشرع. مصادر مطلعة أكدت أن المشروع يُدار بالكامل من قبل الأمانة العامة للشؤون السياسية التابعة لوزير الخارجية أسعد الشيباني، الذي يُعتبر العرّاب الفعلي لتلك المبادرة. ويجري انتقاء الأعضاء والقيادات بعناية من شخصيات ذات ولاء حكومي وثيق، في إطار ما وصفته المصادر بأنه “هندسة سياسية دقيقة” تهدف لضمان توازن مناطقي مضبوط وولاء مطلق للرئيس الشرع.
تكرار مشهد البعث بلباس جديد
تُشير المعطيات إلى أن الحزب المرتقب سيكون الواجهة السياسية للنظام الجديد، تماماً كما كان البعث واجهة السلطة لعقود. ويرى باحثون أن ما يجري ليس انتقالاً نحو تعددية حقيقية، بل إعادة تدوير للنظام القديم بأساليب حديثة، خصوصاً أن التحضيرات تجري داخل مؤسسات الدولة نفسها لا من خلال مبادرات مدنية مستقلة. ويؤكد الباحث السياسي توفيق عباس أن هذا المشهد يعيد إلى الأذهان التجربة البعثية بكل تفاصيلها، موضحاً أن “العمل الحزبي الذي يُصنع في مكاتب حكومية لا يمكن أن يكون ديمقراطياً”. كما أشار إلى أن انتقاء الأعضاء على أساس الولاء والتوزيع المناطقي يُعيد إنتاج محاصصة سياسية مقنّعة تفرغ العملية من مضمونها الإصلاحي.
غياب الشفافية واحتكار القرار
اللافت في المشروع أنه يُدار في دوائر ضيقة وسرية من دون أي نقاش مجتمعي أو برلماني حول هوية الحزب أو برنامجه السياسي. ويعتبر مراقبون أن صمت “الأمانة العامة للشؤون السياسية” عن التعليق على هذه التسريبات يعزز فرضية أن ما يجري هو إعادة إنتاج منظومة السيطرة القديمة ضمن أطر قانونية جديدة. ومنذ تأسيس هذه الأمانة في مارس 2025، توسعت صلاحياتها لتشمل الإشراف على النشاطات السياسية، وصياغة السياسات العامة، وإدارة إرث حزب البعث المنحل، مما يجعلها الوصي الفعلي على الحياة السياسية في البلاد.
الشرع واحتكار اللعبة السياسية
يرى خبراء بأن موقع أحمد الشرع بين رئاسة الدولة والإشراف المباشر على أجهزة التنفيذ يمنحه قدرة شبه مطلقة على التحكم بالمشهد السياسي. فهو من يقرر توقيت إصدار قانون الأحزاب، ويحدد مضمونه، ويملك وحده سلطة منح الشرعية لأي حزب جديد. إذ يبين الخبراء _بهذا الموقع_ يصبح الحزب المزمع تأسيسه نتاجاً لقرارات السلطة التنفيذية نفسها، لا لخيارات المجتمع أو القوى السياسية المستقلة. ويرى محللون أن هذا النموذج يجعل من الحزب الجديد أداة لضبط المشهد السياسي لا لتحريكه، بما يشبه تماماً دور حزب البعث في عقود سابقة.
العمل السياسي بين الحياة والموت
في ظل هذه المعطيات، أكد محللون سياسيون أن العمل السياسي في سوريا يُحكم عليه بالموت قبل أن يولد. فحين تُصاغ الحياة الحزبية في مكاتب حكومية، وتُنتقى كوادرها بقرارات وزارية، وتُدار من قبل موظفين لا من قبل مواطنين، يغيب جوهر الديمقراطية. ولا يعود الحديث عن “انتقال سياسي” سوى شعار لتجميل واقعٍ جامد يُعيد إنتاج نفسه بأسماء جديدة.
تغيير الشكل لا الجوهر
ويرى مراقبون أن ما يجري في دمشق ليس تأسيساً لحياة سياسية جديدة، بل إعادة رسم للمشهد القديم بطلاء مختلف. فالتعددية التي يُروج لها تبدو حتى الآن مجرد واجهة لإبقاء مفاتيح السلطة بيد النظام ذاته. وبينما تتحدث الخطابات الرسمية عن الانفتاح والإصلاح، تعمل المؤسسات ذاتها التي خنقت السياسة لعقود على صياغة مستقبلها من جديد. إنها لحظة يتغيّر فيها كل شيء… كي لا يتغيّر شيء.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”




