خارج الصندوقسياسيات متناقضةنبض الساعةهيدلاينز

هل تكشف محاكمات الساحل عن الوجه الحقيقي للعدالة السورية؟

خاص – نبض الشام

عدالة على المحك
في لحظة يُفترض أن تشهد فيها سوريا أول اختبار حقيقي لعدالة ما بعد الحرب، تعلن الحكومة عن محاكمات علنية لمتورطين في أحداث الساحل والسويداء، وسط وعودٍ بإرساء مبدأ “عدم الإفلات من العقاب”.
لكن خلف هذه الخطوة الرسمية، تتصاعد التساؤلات حول مدى استقلالية القضاء ومصداقية التحقيقات، خاصة مع انتشار فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر بوضوح وجوه مرتكبي المجازر بحق مدنيين علويين عُزّل، دون أن يَظهر حتى الآن أي تحرك رسمي لمساءلتهم.
فهل ستكون هذه المحاكمات بداية مسار عدالة حقيقية، أم مجرد مشهد استعراضي لإعادة ترميم الثقة بنظام قضائي فقد شرعيته؟

محاكمات علنية… أم عرضٌ للتهدئة؟
أعلن وزير العدل السوري مظهر الويس عن قرب انطلاق محاكمات علنية لكل المتورطين في أحداث الساحل، مؤكداً أن “لا أحد سيكون فوق القانون”، وأن الهدف هو منع الإفلات من العقاب.
غير أن المراقبين يرون في هذه التصريحات إعادة إنتاج للخطاب الرسمي القديم، إذ لا توجد حتى الآن دلائل ملموسة على استقلالية القضاء أو شفافية الإجراءات.
فالتحقيقات ما تزال تجري تحت إشراف لجان حكومية، بينما تتحدث مصادر محلية عن محاولات لتقييد الاتهامات وحصرها في المنفذين الميدانيين دون الوصول إلى الجهات التي أعطت الأوامر أو وفرت الغطاء الأمني.

فيديوهات تُحرج السلطة
على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون عشرات المقاطع المصوّرة التي تُظهر بوضوح وجوه أفرادٍ ثبت تورطهم في مجازر بحق مدنيين علويين عُزّل في الساحل، بعضهم ما يزال يشغل مناصب أمنية أو عسكرية.
هذه الفيديوهات التي وُثقت في لحظتها، باتت اليوم دليلاً بصرياً لا يمكن إنكاره، لكنها لم تُدرج – وفق مصادر حقوقية – ضمن ملفات التحقيق.
ويرى مراقبون أن تجاهل هذه المواد المصورة يعكس رغبة السلطة في ضبط سردية الأحداث بما لا يضر “توازناتها الداخلية”، حتى لو كان الثمن طمس الحقيقة وتشويه العدالة.

السويداء والساحل… ملفات لا تُفتح بالكامل
إلى جانب ملف الساحل، أعلنت وزارة العدل السورية عن لجنة خاصة لمتابعة ما جرى في السويداء، مؤكدةً توقيف عدد من المتورطين وجمع الأدلة.
لكن تقارير حقوقية تشير إلى أن اللجنة تعمل في “دوائر مغلقة” وبغياب كامل للرقابة المدنية أو الإعلامية، ما يجعلها أقرب إلى لجنة أمنية منها إلى هيئة تحقيق مستقلة.
وفي المقابل، انتقدت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة اقتصار التحقيقات على صغار الفاعلين، دون تتبع “سلسلة القيادة والمسؤولية المؤسسية” عن الانتهاكات.

أرقام بلا وجوه… وعدالة بلا أسماء
اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق أعلنت عن إحالة 298 متهماً بالاعتداء على المدنيين و265 آخرين بالاعتداء على عناصر الأمن إلى القضاء، لكنها امتنعت عن كشف أسمائهم أو رتبهم.
وبررت اللجنة ذلك بالرغبة في حماية حقوق المتهمين ومنع ردود الفعل الانتقامية، غير أن هذا الغموض يحوّل العدالة إلى معادلة رقمية بلا وجوه ولا مسؤولية سياسية.
في المقابل، يرى خبراء قانونيون أن الإعلان عن أسماء الجناة الذين ظهرت وجوههم في الفيديوهات المتداولة، هو الخطوة الأولى لاستعادة الثقة في مؤسسات العدالة، لا العكس.

التناقض بين العدالة والإفلات
تبدو المفارقة صارخة بين ما يُعرض في المؤتمرات الصحفية من وعود بالمحاسبة، وبين ما يشاهده السوريون يومياً من أدلة موثقة تُظهر القتلة بوضوح دون أن يطالهم القانون. فالعدالة التي تُدار من فوق، وتُنتقى ملفاتها وفق اعتبارات سياسية، لن تكون سوى عدالة انتقائية تعيد إنتاج الانقسام والشكوك القديمة.
وفي ظل هذا التناقض، يُطرح السؤال الجوهري: هل تسعى الحكومة إلى العدالة فعلاً، أم إلى تحييد الغضب الشعبي وتلميع صورتها أمام الداخل والخارج؟

بين الحقيقة والاستعراض
قد تُعقد المحاكمات علناً، وتُبث الجلسات أمام الكاميرات، لكن العدالة الحقيقية لا تتحقق بالتصريحات ولا بالمحاكمة المصوّرة، بل بفتح الملفات بالكامل، ومساءلة كل من أمر أو شارك أو تستر.
وحتى ذلك الحين، ستبقى مقاطع الفيديو المنتشرة على الشاشات شاهدة على وجوهٍ بلا محاسبة، تُحاكم بالصوت والصورة أمام الرأي العام، بينما ينتظر السوريون عدالةً لا تأتي إلا حين تُفتح الملفات بلا خطوط حمراء.

“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى