من أستوريا إلى بلدية نيويورك: ممداني يرسم طريق هزيمة ترامب
خاص – نبض الشام
نيويورك تفتح صفحة سياسية جديدة
في تحوّل تاريخي غير مسبوق، انتخب سكان نيويورك زهران ممداني، الشاب المسلم والاشتراكي الديمقراطي، رئيساً لبلدية المدينة الأكبر في الولايات المتحدة. فوزه لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل رسالة سياسية قوية تهزّ أسس التيار اليميني بزعامة دونالد ترامب، وتعلن عن صعود جيل جديد من القادة التقدميين الذين يرفعون شعار “الناس أولاً” في مواجهة سياسات الرأسمالية والتمييز.
صعود استثنائي
تفوق ممداني (34 عاماً) على منافسين بارزين بينهم الحاكم السابق أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا، ليصبح أول مسلم يتولى رئاسة بلدية نيويورك. وقال في خطاب النصر: “إذا كان هناك من يستطيع أن يري الأمة التي خانها ترامب طريق هزيمته، فهي المدينة التي صنعته.” ورأى أن فوزه يمثل انتصار “الأمل على الطغيان”، مؤكداً أن نيويورك ستكون “النور في زمن الظلام السياسي”.
ترامب في مواجهة المدينة التي صنعته
تحوّل فوز ممداني إلى صفعة رمزية لترامب، الذي حاول ثني الناخبين عن اختياره عبر حملات تحذير ضد “المرشح المسلم الاشتراكي”. لكن المدينة التي شهدت صعود ترامب ردّت عليه بمن تنتقد أفكاره بشدة وتطرح بديلاً اجتماعياً واقتصادياً مضاداً. وقال ممداني رداً على هجمات ترامب: “سنُنشئ بلدية تحارب معاداة السامية وتحتضن أكثر من مليون مسلم يعلمون أنهم جزء من هذه المدينة.”
اشتراكي بروح واقعية
وُلد ممداني في أوغندا لعائلة من أصول هندية، وهاجر إلى الولايات المتحدة في السابعة من عمره، ونال جنسيتها عام 2018. يتبنى رؤية اشتراكية ديمقراطية تدعو إلى تجميد الإيجارات، ومجانية النقل العام ودور الحضانة، وفرض ضرائب أعلى على الأثرياء لتمويل الإسكان والخدمات العامة. وصفه ترامب بـ”الشيوعي”، لكن مراقبين يرونه نموذجاً جديداً لليسار الأمريكي، يجمع بين الواقعية الاقتصادية والجرأة الأخلاقية.
دعم شعبي ورسالة إلى النخبة
حملته الانتخابية ركزت على أزمة المعيشة، مستقطبةً الشباب والطبقة العاملة. وقال خبير العلوم السياسية كوستاس بانايوبولوس إن ممداني “أعاد للسياسة الأمريكية ناخبين محبطين يبحثون عن وجوه جديدة”. في المقابل، امتنع زعماء ديمقراطيون كبار، مثل تشاك شومر، عن دعمه، فيما أثارت مواقفه من إسرائيل جدلاً واسعاً. ومع ذلك، حصل على تأييد شخصيات يسارية يهودية أبرزها بيرني ساندرز.
كابوس ترامب
يرى مراقبون أن قلق ترامب من ممداني يتجاوز الخلاف الأيديولوجي، إذ يخشى أن تنتشر “العدوى السياسية” لنجاحه إلى مدن أخرى، حيث يعاني الأمريكيون من أعباء اقتصادية متزايدة. وقال ممداني، رداً على وصف ترامب له بأنه “كابوس جديد”: “إنه يحاول صرف الأنظار عن الطبقة العاملة التي وعد بخدمتها ثم تخلّى عنها.” برنامجه، الذي يرفع شعار “الناس أولاً”، يعكس تحوّلاً في المزاج السياسي الأمريكي نحو العدالة الاجتماعية وإعادة تعريف مفهوم الثروة.
من نيويورك تبدأ الموجة الجديدة
فوز زهران ممداني لا يُختزل في كونه أول مسلم يتولى رئاسة بلدية نيويورك، بل هو بداية مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية. من قلب العاصمة الاقتصادية للعالم، وُجهت رسالة إلى ترامب والعالم مفادها أن التغيير ممكن، وأن المدينة التي كانت رمزاً للرأسمالية أصبحت اليوم مختبراً لأفكار العدالة والمساواة.
قد لا يكون ممداني نهاية لحقبة ترامب، لكنه بالتأكيد أول مؤشر على أفولها.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”




