خارج الصندوقسياسيات متناقضةنبض الساعةهيدلاينز

عندما تتأرجح الدبلوماسية العربية تجاه أحداث المنطقة

خاص – نبض الشام

في ظل اشتعال الملفات الإقليمية، لا سيما الحرب على غزة، جاءت زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى بيروت لتسلّط الضوء مجدداً على التناقضات البنيوية في الموقف العربي الرسمي. فبين تصريحات الإدانة للمجازر الإسرائيلية والدعوات إلى وقف إطلاق النار، وبين الإشادة بالتدخل الأمريكي كـ”ضامن للحل”، تتجلّى ازدواجية تعكس مأزق العمل العربي المشترك في التعامل مع قضايا الأمة.

خطاب الإدانة… وحدود الفعل
في كلمته أمام الملتقى الإعلامي العربي في بيروت، وصف أبو الغيط ما يجري في غزة بأنه “عار على الإنسانية”، مطالباً بإعادة الإعمار وبقاء الشعب الفلسطيني على أرضه. غير أن هذا الخطاب، الذي يلقى صدى عاطفياً لدى الرأي العام العربي، يظل أسير اللغة الإنشائية التي لا تجد طريقها إلى الفعل السياسي أو الضغط الدبلوماسي الفعّال.

فالجامعة التي تمثل الإطار الجامع للعرب، بدت عاجزة عن صياغة موقف موحّد أو تبنّي خطوات عملية، مكتفية بدور المراقب المندهش من “الوحشية الإسرائيلية”، في حين تتباين مواقف دولها الأعضاء بين داعمٍ للتطبيع وصامتٍ تحت وطأة الحسابات الإقليمية.

مفارقة الموقف
أكثر ما أثار الجدل في تصريحات أبو الغيط هو إبداؤه “الثقة في أن التدخل الأمريكي سيحلّ المسألة”، وهو تصريح يعكس مفارقة صارخة في الخطاب العربي. فكيف يمكن للجامعة التي تدين الانحياز الأمريكي لإسرائيل أن تراهن على الوسيط ذاته لإنهاء مأساة غزة؟

هذا الموقف يعكس اعتماداً عربياً متزايداً على القوى الخارجية لحل النزاعات، بدلاً من تفعيل أدوات الضغط السياسي أو الاقتصادي الجماعي، وهو ما يفرغ مفهوم “العمل العربي المشترك” من مضمونه الفعلي.

لبنان والحياد المتعب
أما في الملف اللبناني، فبدت مواقف أبو الغيط متوازنة في ظاهرها، إذ أكد دعم الجامعة لوحدة لبنان وضرورة انسحاب إسرائيل من أراضيه، لكنه في الوقت ذاته دعا إلى “حصرية السلاح بيد الدولة”، وهو خطاب يتماهى مع الرؤية الغربية – الأمريكية أكثر مما يعكس فهماً لتوازنات الداخل اللبناني. وهنا يظهر مرة أخرى ميل الجامعة إلى تبنّي المواقف التي تُرضي المجتمع الدولي أكثر مما تعبّر عن الإرادة العربية.

التناقض العربي
تكشف زيارة أبو الغيط إلى بيروت وتصريحاته المتناقضة عن أزمة أعمق في بنية الجامعة العربية، التي تتأرجح بين لغة التضامن وممارسة الحياد السلبي. فالخطاب القومي لا يزال حاضراً، لكن الفعل السياسي أصبح مرهوناً بالتدخلات الخارجية وبموازين القوى الإقليمية. وبين شعار “الوحدة العربية” وواقع “الاصطفاف المتباين”، يظل التناقض عنوان الموقف العربي من قضايا الأمة.

“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى