روسيا تشنّ أشرس هجماتها لحسم معركة بوكروفسك

تتصاعد حدة المعارك في شرق أوكرانيا مع اشتداد القتال داخل مدينة بوكروفسك، التي تحولت إلى محور استراتيجي جديد في الصراع بين موسكو وكييف.
فقد كثّفت القوات الروسية هجومها للسيطرة على المدينة التي طالما سعت إليها، في وقتٍ تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبة في دفع الكرملين نحو التفاوض على اتفاق سلام ينهي الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وبحسب مجلة “نيوزويك”، فقد أعلن الجيش الأوكراني أن نحو 200 جندي روسي تسللوا إلى بوكروفسك في مجموعات صغيرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما أدى إلى اندلاع معارك ضارية داخل الأحياء الحضرية.
وأكدت القوات الأوكرانية أنها تستخدم وحدات الطائرات المسيّرة بكثافة في محاولة لصدّ محاولات الجيش الروسي “للتمركز في المناطق السكنية”، ووصفت الوضع بأنه “صعب للغاية”.
وقال الجيش الأوكراني الأحد إن روسيا “تكثّف جهودها الهجومية” مستخدمة أعدادًا من الجنود تفوق بكثير قدرات أوكرانيا في المدينة ومحيطها.
وأقرّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن القوات الروسية تتفوق عدديًا بنسبة ثمانية إلى واحد داخل بوكروفسك، مؤكدًا أن المدينة تشهد “معارك شرسة” على أكثر من محور.
من جانبه، أبلغ رئيس الأركان الروسي فاليري جيراسيموف الرئيس فلاديمير بوتين بأن القوات الروسية حاصرت نحو 5500 جندي أوكراني داخل المدينة، وهو ما نفاه زيلينسكي، بينما شكك محللون عسكريون روس ومراكز أبحاث غربية، من بينها معهد دراسات الحرب الأمريكي (ISW)، في صحة هذا الادعاء لعدم وجود أدلة ميدانية تؤيده.
ورغم ذلك، شدد زيلينسكي على أن “الاهتمام يتركز بشكل خاص على بوكروفسك”، مضيفًا أن روسيا حشدت “قوتها الضاربة الرئيسية” لتحقيق اختراق في تلك الجبهة.
أهمية بوكروفسك الاستراتيجية
تُعدّ بوكروفسك واحدة من أكثر المدن تحصينًا في شرق أوكرانيا، وتشكل عقدة دفاع رئيسية في جبهة دونيتسك.
بدأت موسكو محاولتها للسيطرة عليها منذ صيف 2024، إدراكًا لأهميتها اللوجستية والعسكرية، إذ تتصل المدينة بشبكة من الطرق والمدن التي تُعتبر العمود الفقري للخطوط الدفاعية الأوكرانية.
واختارت روسيا عدم اقتحام المدينة مباشرة لتجنب الخسائر الكبيرة في المعارك الحضرية، واتجهت بدلاً من ذلك إلى تطويقها وقطع طرق الإمداد عنها، خاصة من الجنوب باتجاه منطقة دنيبروبيتروفسك المجاورة.
وبحسب المحلل العسكري الأمريكي دانييل رايس، الرئيس الحالي للجامعة الأمريكية في كييف، فقد فقدت بوكروفسك دورها كمركز لوجستي فعال بالنسبة للقوات الأوكرانية بعد شهور من القصف والحصار.
ويتيح الطريق السريع E-50، الممتد غربًا من بوكروفسك نحو بافلوغراد ثم إلى مدينة دنيبرو، لموسكو إمكانية التقدم بسهولة نحو عمق الأراضي الأوكرانية في حال إحكام سيطرتها على المدينة.
وقال النائب الأوكراني أوليج دوندا، من حزب “خادم الشعب” الحاكم، إن سقوط بوكروفسك “يفتح الطريق أمام القوات الروسية لمحاصرة مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك”، وهما من آخر المعاقل الكبرى للجيش الأوكراني في دونيتسك.
وبعد أكثر من عام من القتال المستمر في محيط المدينة، فإن خسارتها ستكون ضربة نفسية ومعنوية قاسية لكييف، وتعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوكراني.
المرحلة النهائية للمعركة
يرى محللون عسكريون أن معركة بوكروفسك دخلت الآن مرحلتها الحاسمة.
وقال المدون العسكري الأوكراني كونستانتين ماشوفيتس للمجلة إن “الخطر الأعظم يتمثل في المجموعات الروسية التي تتقدم نحو الضواحي الغربية”، لكنه أشار إلى أنه لا توجد حتى الآن دلائل على أن القوات الأوكرانية في بوكروفسك وبلدة ميرنوهراد المجاورة قد حوصرت فعليًا، رغم أن “التهديد حقيقي للغاية”، حسب تعبيره.
وأوضح ماشوفيتس أن المعركة وصلت إلى “مرحلتها النهائية”، بينما أكد زيلينسكي أن المدينة تمثل “الهدف الرئيسي” للقوات الروسية في الوقت الراهن.
في الوقت نفسه، تشهد الساحة الدولية تصعيدًا سياسيًا واقتصاديًا متزامنًا مع المعارك.
فقد فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي عقوبات جديدة على أكبر شركتين نفطيتين في روسيا، “روسنفت” و”لوك أويل”، بالتزامن مع الحزمة التاسعة عشرة من عقوبات الاتحاد الأوروبي التي استهدفت عائدات الطاقة والمؤسسات المالية الروسية.
ورغم ذلك، أكدت موسكو أن موقفها من مفاوضات السلام لم يتغير، بينما ألغى ترامب قمة كانت مقررة مع بوتين، قائلًا إنها قد تكون “رحلة ضائعة”.
ومع استمرار القتال في بوكروفسك، تبدو المعركة أكثر من مجرد صراع على مدينة؛ فهي اختبار لإرادة الطرفين في الميدان، ومؤشر على ما إذا كانت الحرب تتجه نحو تسوية تفاوضية أم إلى جولة جديدة من التصعيد.
وبينما تتحدث كييف عن “صمود حتى النهاية”، تسعى موسكو إلى تحقيق نصر رمزي واستراتيجي يعيد الزخم لحملتها في دونباس ويعزز موقفها في أي مفاوضات مقبلة.




