تقاريرنبض الساعةنبض خاصهيدلاينز

“جبل باشان” بين التاريخ والسياسة: كيف أشعل تصريح الهجري الجدل في سوريا؟

خاص – نبض الشام

جدل الاسم ومعركة المعنى
أثار الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، عاصفة من الجدل في الأوساط السورية بعد استخدامه مصطلح “جبل باشان” بدلاً من “جبل العرب” للإشارة إلى السويداء. هذا الاسم العبري القديم فتح نقاشاً واسعاً حول التاريخ والهوية والسياسة في الجنوب السوري، وسط تفسيرات متباينة لما قصده الهجري بين البعد الديني والثقافي والرسالة السياسية.

خلفية المصطلح وأصوله التاريخية
“جبل باشان” هو الاسم العبري القديم لجبل العرب، ويعني “الأرض المستوية أو الممهّدة”. كانت هذه المنطقة جزءاً من “أرض كنعان” بين جبلي حرمون و”جلعاد”، وورد اسمها في التوراة نحو 60 مرة.
وبحسب موسوعة الكتاب المقدس، كانت باشان تضم مناطق حوران والجولان واللجاة، وتشتهر بتربتها الخصبة ومياهها الغزيرة، حيث زُرعت فيها محاصيل كالقمح والشعير والعدس والسمسم.

جدل واسع وتفسيرات متباينة
أثار استخدام الهجري لهذا الاسم ردود فعل حادة داخل سوريا، واعتبره البعض انزياحاً رمزياً نحو هوية جديدة أو رسالة سياسية خفية. لكن الكاتب السياسي جمال درويش نفى هذه التفسيرات قائلاً: “هذا ليس تحوّلاً في الهوية الوطنية للسويداء، ولا انفتاحاً على الطموحات الإسرائيلية، بل الاسم جزء من الذاكرة الجماعية التي يصعب محوها”.
وأضاف أن “إسرائيل تعرف عنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا”، في إشارة إلى البعد التاريخي والرمزي للمصطلح.

رؤية المؤرخين
المؤرخ ماجد الأطرش أكد أن تسمية باشان موثقة تاريخياً منذ فترتي التلمود والتوراة، لكنها اليوم “مرفوضة بشكل قاطع من قبل سكان الجبل، بما في ذلك الدروز والمسلمين والمسيحيين”، معتبراً أن إعادة إحياء هذا الاسم تمس الحس الوطني العام.

ردود الفعل الرسمية والإعلامية
بعد استخدام الهجري للمصطلح في خطابه الأخير، شنّ الإعلام السوري حملة انتقادات واسعة، متهماً إياه بتبنّي خطاب غامض يفتح الباب لتأويلات سياسية. وفي خطابه ذاته، تحدث الهجري عن “حصار شامل على جبلنا المدني المسالم، طال الغذاء والدواء والمياه والوقود وحرية الحركة”، وهو ما فُسِّر من قبل البعض كإشارة ضمنية إلى رغبة في تدخل خارجي أو توجيه رسالة إلى إسرائيل.

بين الدين والسياسة
الخطاب الديني للهجري تداخل مع السياق السياسي المضطرب في الجنوب السوري، حيث تصاعدت الاتهامات حول محاولات إسرائيلية لاستمالة الزعامات المحلية أو إحياء رموز توراتية قديمة مثل “باشان” في إطار حرب الرموز والسيطرة المعنوية.

“باشان” في السياق العسكري
اللافت أن إسرائيل استخدمت الاسم نفسه لتسمية عملياتها العسكرية ضد سوريا بعد سقوط نظام الأسد قبل عشرة أشهر، وأطلقت عليها “عملية سهم باشان”، والتي تضمنت أكثر من ألف غارة جوية وقرابة 400 توغل بري، أسفرت عن تدمير نحو 80% من القدرات العسكرية السورية، وفق تصريحات رسمية للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع.

صراع الأسماء والذاكرة
تحوّل مصطلح “جبل باشان” من مجرد تسمية تاريخية إلى رمز لصراع أعمق حول الهوية والانتماء والسيادة في الجنوب السوري. وبين من يراه عودةً إلى الجذور القديمة، ومن يراه مدخلاً لاختراق سياسي أو رمزي، يبقى الاسم عنواناً لمعركة الذاكرة السورية في زمن مضطرب، حيث تلتقي السياسة بالتاريخ في أكثر نقاطها حساسية.

“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى