خارج الصندوقخفايا وكواليسنبض الساعةهيدلاينز

تدريب في العلن.. نفوذ في الخفاء: أنقرة تخطّط لعقيدة سورية جديدة

خاص – نبض الشام

تدريبٌ أم اختراق استراتيجي؟
في خطوة تُثير تساؤلات واسعة حول الأهداف الحقيقية، أعلنت تركيا بدء تدريب وحدات من الجيش السوري داخل أراضيها، في ما وصفته بأنه “دعم لإعادة بناء القدرات العسكرية السورية”. إلا أن مراقبين يرون أن هذا التحرك يتجاوز البُعد التقني والعسكري ليحمل دلالات سياسية واستراتيجية أعمق، تُعيد رسم موازين النفوذ في سوريا ما بعد الأسد.

تعاون علني.. ونفوذ متصاعد
أكدت وزارة الدفاع التركية أن جنوداً سوريين بدأوا بالفعل تدريبات عسكرية داخل ثكنات تابعة للجيش التركي، مشيرةً إلى أن 49 طالباً سورياً سيلتحقون اعتباراً من يوم الجمعة بالأكاديميات العسكرية التركية التابعة للقوات البرية والجوية والبحرية.
ورغم أن أنقرة تبرّر الخطوة بأنها جزء من اتفاق التعاون العسكري الموقع في أغسطس، فإن المؤشرات المرافقة توحي بأن المشروع يتعدى إعادة التأهيل، إلى بناء جيش سوري جديد بعقيدة ميدانية أقرب إلى النموذج التركي.

من اتفاق تدريبي إلى وصاية ناعمة
الاتفاق الذي أُبرم بين دمشق وأنقرة في أغسطس تضمن، ظاهرياً، التعاون في مجالات التدريب والاستشارات وتزويد سوريا بمنظومات تسليح تركية ودعم لوجستي. لكن بنوداً فرعية في المذكرة – بحسب تسريبات دبلوماسية – تتيح لتركيا مراقبة برامج تطوير القوات السورية ومناهجها العسكرية، ما يُثير مخاوف من تحول الدعم الفني إلى وصاية مؤسسية طويلة الأمد على بنية الجيش السوري.

أنقرة وتثبيت نفوذها في سوريا الجديدة
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر العام الماضي، تحركت تركيا بسرعة لتثبيت نفوذها في الدولة الجارة المنهكة. فبعد أن كانت بوابة المعارضة نحو الغرب، أصبحت اليوم شريكاً استراتيجياً للحكومة السورية الجديدة، مستخدمة أدوات “الدعم وإعادة الإعمار” لبناء عمق نفوذ سياسي وعسكري داخل مؤسسات دمشق.
ويرى محللون أن تدريب الضباط السوريين في الأكاديميات التركية هو مقدمة لتأطير عقيدة الجيش السوري المستقبلية ضمن منظومة قريبة من الناتو، وتحديداً من الرؤية الأمنية التركية تجاه المنطقة.

بين إعادة الهيكلة والاختراق
مصادر دبلوماسية غربية تعتبر أن أنقرة لا تسعى فقط لإعادة هيكلة الجيش السوري، بل تهدف إلى ضمان ولاء قياداته المقبلة، وتحييد أي اتجاه قد يعيد تموضع دمشق نحو روسيا أو إيران مستقبلاً.
كما أن تدريب الطلبة السوريين في المؤسسات العسكرية التركية يعني بناء نواة جديدة لضباط شباب سيتولون مفاصل القيادة لاحقاً، بما يضمن بقاء النفوذ التركي مؤسسياً وطويل الأمد داخل القرار الدفاعي السوري.

قلق إقليمي من النفوذ التركي
تنامي الدور التركي في الملف العسكري السوري أثار مخاوف عدة أطراف إقليمية، خصوصاً إيران وروسيا، اللتين تعتبران أن تدريب الجيش السوري في تركيا يشكل تحولاً جذرياً في هوية الجيش وعقيدته القتالية.
وفي المقابل، تروّج أنقرة أن تعاونها مع دمشق يهدف إلى “تحصين الجبهة الجنوبية لسوريا” ومنع الفوضى، بينما يرى خصومها أن أنقرة تبني لنفسها ذراعاً عسكرياً داخل الأراضي السورية تحت غطاء الشراكة.

تركيا تعيد رسم المشهد العسكري السوري
ما يبدو تدريباً عسكرياً محدوداً قد يكون في جوهره إعادة تشكيل لمنظومة القرار الدفاعي في سوريا. فأنقرة تسعى، عبر خطوات محسوبة، إلى تثبيت نفوذها داخل مؤسسات الدولة السورية وإعادة تعريف توازن القوى في المشرق.
وفي حين تَعرض تركيا تعاونها على أنه دعم للأمن والاستقرار، فإن الوقائع تشير إلى استراتيجية نفوذ ناعم طويلة المدى، تُحاول من خلالها أنقرة تأمين حدودها الجنوبية، وضمان أن تكون الجيش السوري الجديد أقرب إلى أنقرة منه إلى أي محور آخر.

“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى