“بوسيدون” الروسي: هل يحوّل أعماق البحار إلى كابوس غربي؟
خاص – نبض الشام
جوهر المخاوف والأبعاد الاستراتيجية
أطلق الإعلان الروسي عن تجربة ناجحة لطوربيد نووي يُعرف بـ”بوسيدون” نقاشاً عالمياً حول قدرة السلاح على قلب موازين الردع البحري. الطوربيد، بطبيعته العمقية والمدمّرة، لا يقتصر تهديده على الأهداف العسكرية بل يمتد لإمكانية تلوث السواحل وإلحاق أضرار لوجستية ومدنية واسعة. يبقى السؤال المركزي: هل يُعدّ “بوسيدون” تحولاً تكنولوجياً حقيقياً أم سلاحاً في ظله مزيد من الغموض والرهانات الاستراتيجية؟
مشهد الإعلان ودلالاته
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تجربة تحت الماء لطوربيد يُوصف بأنه لا يمكن اعتراضه، يعمل حتى أعماق تصل إلى نحو 1,000 متر وبمدى يُقَدَّر بأكثر من 10,000 كيلومتر. وصفته موسكو بـ”القدرة الانتقامية” التي قد تجعل أي ضربة ساحلية مكلفة للغاية للخصم. الإعلام الروسي تداول فكرة توليد “تسونامي إشعاعي” ما أثار تحذيرات غربية وصدى إعلامياً واسعاً.
المواصفات التشغيلية
تُذكر تقديرات طول الطوربيد بين 20 و24 متراً، وقدرته على التحرك بسرعاتٍ عالية —محسوبة في بعض التقديرات بين 60 إلى 100 عقدة— ما يجعل اعتراضه بالأساليب التقليدية أمراً بالغ الصعوبة. اللغة الروسية الرسمية تشير إلى إمكان تشغيله برؤوس حربية نووية أو تقليدية، مع تأثيرات ساحلية بعيدة المدى في حال الانفجار القريب من الشاطئ.
المحرك النووي: ما الذي يميّزه؟
يرى خبراء أن من أهم سمات “بوسيدون” احتمال اعتماده على محرك نووي، وهو ما يمنح سلاحاً من هذا النوع قدرة مدى وطاقة عالية بكمية وقود صغيرة نسبياً. المحرك النووي يمنح أيضاً قدرة على الإبحار بصمت نسبي، ما يقلل من البصمة الصوتية ويصعّب اكتشافه عبر الوسائل الصوتية البحرية التقليدية.
آراء خبراء: بين التحليل والاستنتاج
يقول د. آصف ملحم، مدير مركز “جي إم سي” للدراسات، إن التشابه بين “بوسيدون” وصاروخ “بوريفيستنيك” يكمن في الاعتماد على محرك نووي، وهو ما يفسّر مدى التحرك الطويل والهدوء النسبي في الضجيج الصوتي. ويضيف أن التحكم والتوجيه بعد الإطلاق —عبر أقمار صناعية أو مراكز قيادة— حاسمان لمسار السلاح وفعاليته.
كما يصف العميد نضال زهوي الطوربيد بأنه من أكثر الأسلحة الروسية غموضاً، ويؤكد أن الهدف الاستراتيجي منه ليس الاستخدام الروتيني بل الردع من خلال تهديد البنى التحتية البحرية والساحلية. ويشدّد على أن الغوص إلى أعماق تصل إلى 1000 متر والسرعات العالية يجعل اعتراضه أمراً بالغ التعقيد.
التأثيرات الاستراتيجية المحتملة
في حال تحقق أداء يشابه المواصفات المعلنة، فإن آثار الطوربيد قد تشمل: تدمير قواعد بحرية وموانئ إمداد وصيانة، تعطيل خطوط الإمداد لحاملات الطائرات، ضرب مرافق صناعية بحرية ونفطية، وإلحاق أضرار لوجستية بالغة بالبنى التحتية الساحلية. بهذه المعايير يتحول «بوسيدون» إلى عنصر يردع قوى بحرية تقليدية ويعيد رسم نظريات السيطرة البحرية.
قضايا الكشف والاعتراض
تُصعّب أعماق التشغيل والسرعات العالية اكتشاف الطوربيد باستخدام الرادارات التقليدية وأجهزة الاستشعار الصوتية. تشير التقديرات إلى أن الاكتشاف قد يحدث قبل الوصول إلى الهدف بمسافات ضئيلة فقط، ما يحد من زمن الاستجابة ويستدعي تطوير منظومات دفاعية متقدمة قادرة على التعقب في العمق وعلى تفعيل وسائل اعتراض أسرع وأكثر قوة.
منصة الإطلاق والتشغيل
يُذكر أن المنصة المعلنة لإطلاق “بوسيدون” هي غواصات من فئة مخصّصة (مثل غواصات تحمل اسم “بيلغورد” في التوصيفات)، وأن التشغيل قد يتطلب غواصات قادرة على العمل من أعماق مئات الأمتار، وحتى 1,000 متر في بعض التصريحات، ما يعكس متطلبات هندسية وتشغيلية عالية.
سلاح الردع أم فقاعة إعلامية؟
يبقى «بوسيدون» مزيجاً من التكنولوجيا المتطورة والرهانات الإعلامية والاستراتيجية. إن صحت المقاييس التشغيلية المعلنة، فهو يمثل تحدياً حقيقياً لقدرات الدفاع البحري التقليدي ويمنح روسيا ورقة ردع قوية في المحيطات. أما إن ثبت أن الكثير من المواصفات مبالغ فيها أو أن العقبات التشغيلية والتكلفة تحول دون نشر فعّال، فقد يكون السلاح مشروع تهديد أكثر مما هو واقع. في كل الأحوال، فرضية وجود طوربيد يعمل بكفاءة في أعماق المحيطات تفرض على القوى البحرية مراجعة استراتيجيات الاكتشاف والاعتراض وحماية السواحل والموانئ في السنوات المقبلة.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”




