مجتمع نبضمنوعات

العطاء الزائد يدمّرك.. انتبه لهاتين العلامتين

في كثير من العلاقات، هناك من يعطي أكثر مما يأخذ، ويُسامح بسرعة، ويحاول من جديد حتى بعد أن يُرهق. هذه الروح الكريمة قد تبدو في ظاهرها دليلاً على الحب والوفاء، لكنها أحيانًا تخفي وراءها تعبًا صامتًا واستنزافًا داخليًا لا يُرى.

فالعطاء الزائد لا يعني دائمًا محبة أعمق، بل قد يكون ناتجًا عن تجاهل الذات في سبيل الآخرين. إنه ذلك الحدّ الدقيق بين الكرم العاطفي وفقدان التوازن، حين يصبح الاهتمام والاستماع والغفران المتكرر عبئًا على القلب، بدلاً من أن يكون مصدر سلام ودفء.

وقد كشفت دراسة أُجريت العام 2014 على نحو 795 زوجا أن سرّ العلاقات الناجحة ليس في “من يعطي أكثر”، بل في توازن الجهد بين الطرفين. فحين يشعر كل طرف أن الآخر يبذل قدرا مشابها من الاهتمام والرعاية، تنمو العلاقة وتستمر.

ببساطة.. الحب الحقيقي لا يعيش بالعطاء من طرف واحد. هو طريق ذو اتجاهين، يحتاج إلى قلبين يسيران معا لا واحدا يلهث خلف الآخر.

فكيف تعرفين أنكِ عالقة في دائرة الإفراط في العطاء؟

علامات العطاء المفرط
إليك علامتين واضحتين، وما يمكنكِ فعله لتستعيدي توازنكِ العاطفي.

1. تشعرين بالاستياء رغم حبكِ
أظهرت دراسة العام 2022 أن الأفراد يميلون إلى التضحية من أجل شركائهم حتى من دون انتظار المقابل.

لكن عندما يتحول هذا العطاء إلى نمط دائم من الجهد الأحادي من دون تقدير أو رد، يتراكم الشعور بالخذلان ويتحول الحب شيئا فشيئا إلى مرارة.

توقفي لحظة واسألي نفسكِ: هل أُعطي بدافع الحب؟ أم بدافع الرغبة في أن أُحب بالمقابل؟ إن كان الجواب الثاني أقرب إلى قلبكِ، فقد حان وقت التوقف.

لأن هذا العطاء لا ينبع من حب ناضج، بل من خوف من الرفض أو من عدم كفايتكِ.

الحل: ابدئي بمراقبة سلوككِ العاطفي
عندما تشعرين برغبة في المساعدة أو التهدئة، اسألي نفسكِ: هل أُعطي لأنني أريد حقا، أم لأقترب أكثر؟ هل العطاء في ذاته يُرضيني، أم أنتظر شيئا في المقابل؟

راقبي نفسكِ لأسبوع، ودوّني كيف تشعرين قبل العطاء وبعده.. هل تشعرين بالتقدير؟ أم بالإرهاق والنسيان؟

هذا الوعي الذاتي سيساعدكِ على إعادة الاتصال بذاتكِ واحتياجاتكِ، بدلا من أن تعيشي على وقع ردود أفعال الآخرين.

2. تبالغين في التعويض (Overcompensating)
دراسة حديثة نُشرت عام 2025 تناولت المخاوف الأكثر شيوعا في العلاقات العاطفية لدى أكثر من ألف شاب وشابة، وأظهرت أن الخوف الأكبر هو الخوف من عدم الكفاية، أي الفشل في تلبية توقعات الشريك.

هذا الخوف لا يدفع بعض الناس إلى الانسحاب، بل إلى العطاء المفرط، وكأنهم يحاولون “تعويض” ما يظنون أنهم يفتقرون إليه.

وهنا يجب أن تدركي أنك عندما تجدين نفسكِ تحاولين باستمرار أكثر مما يجب، أو تقومين بكل شيء عن الآخرين حتى من دون أن يُطلب منكِ، فتلك علامة على الإفراط في التعويض.

الحل: توقفي وراجعي دوافعك
توقفي واسألي نفسكِ بصدق: هل أحاول استعادة شخص بدأ بالابتعاد؟ إن كان الجواب نعم، توقفي، هذا رد فعلٍ بدافع الخوف لا بدافع الحب.

هل تحول عطائي من اهتمامٍ صادق إلى قلقٍ وتوتر؟ إن كان كذلك، ابتعدي قليلا بدلا من أن تجهدي نفسكِ أكثر.

اسألي نفسك كذلك، هل كنتُ سأفعل هذا لو كنتُ أشعر بالأمان؟ إن لم يكن الجواب نعم، فلا تفعليه. العطاء بدافع إثبات القيمة لا يخلق حبا متوازنا، بل يُعمق الفجوة.

تعلمي أن توقفي نفسكِ عند هذه اللحظة، لحظة الشعور بأنكِ لستِ كافية؛ لأنها بداية العودة إلى توازنكِ الحقيقي.

في النهاية، عليك أن تعلمي جيدا أن الحب ليس اختبارا لإثبات جدارتكِ، بل مساحة للتبادل والنمو.

وحين تتوقفين عن العطاء بدافع الخوف، وتبدئين في العطاء بدافع الوعي، ستكتشفين أن الحب المتبادل لا يُكتسب.. بل يُبنى على التوازن والطمأنينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى