خارج الصندوقخفايا وكواليسنبض الساعةهيدلاينز

الذهب الفنزويلي: شرارة صراع خفي تهدد بإشعال حرب في أمريكا اللاتينية

خاص – نبض الشام

ثروات تحت النار
تحوّلت مناجم الذهب في جنوب فنزويلا إلى مركز صراع معقد تتداخل فيه الجريمة المنظمة والمصالح الدولية. فمع الانهيار الاقتصادي الحاد وارتفاع أسعار الذهب، باتت البلاد ساحة مفتوحة للمافيات العابرة للحدود، وسط تواطؤ رسمي وغضّ طرف من السلطات، مما خلق اقتصاداً موازياً يعيد رسم خرائط النفوذ الإقليمي. تسهم دول مثل روسيا وإيران وتركيا في تدوير هذا الذهب، ما يمنح نظام نيكولاس مادورو شرايين تمويل بديلة تلتفّ على العقوبات الأمريكية، وتغذّي بدورها توترات جيوسياسية قد تنزلق إلى مواجهة مفتوحة في الكاريبي.

قوس التعدين.. من مشروع اقتصادي إلى اقتصاد ظل
منذ إصدار مرسوم “قوس التعدين في أورينوكو”، تحوّل الإقليم الجنوبي لفنزويلا إلى واحدة من أكبر بؤر الاقتصاد غير الرسمي في أمريكا اللاتينية. تقارير منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”الأمم المتحدة” و”مجموعة الأزمات الدولية” توثّق سيطرة عصابات مسلحة وميليشيات محلية، وحتى وحدات من الجيش، على مواقع استخراج الذهب. ترافق ذلك مع انتهاكات جسيمة تشمل العمل القسري والابتزاز والقتل، لتتحول مناجم الذهب إلى مسرح لانتهاكات حقوق الإنسان ولتجارة غير مشروعة تموّل أطرافاً داخلية وخارجية.

شبكات الجريمة.. عقدة المافيات العابرة للحدود
تؤكد دراسات صادرة عن مؤسسات بحثية دولية مثل (LSE، CSIS، MAAP) وجود شبكات معقدة من الجماعات الكولومبية المسلحة — خصوصاً الفصائل المنشقة عن تنظيم “فارك” — إلى جانب عصابات فنزويلية تُعرف باسم “برانيس”. هذه الجماعات تسيطر على الطرق والممرات النهرية التي تربط مناطق التعدين، حيث تتقاطع تجارة الذهب مع تهريب المخدرات والوقود والبشر. وتشير الأدلة إلى تواطؤ أو تساهل من بعض السلطات المحلية والعسكرية، ما حوّل الإقليم إلى منطقة خارجة عن القانون. وحتى بعد محاولات الحكومة لإخلاء المواقع في “ياباكانا” عام 2022، عادت الأنشطة غير القانونية بقوة في 2025، وفق صور الأقمار الصناعية.

تهريب الذهب.. شبكة معقدة تلتف على العقوبات
بين عامي 2018 و2019، غيّرت كاراكاس وجهة صادراتها من الذهب لتفادي الرقابة الأمريكية. وأظهرت بيانات رسمية أن تركيا استوردت مئات ملايين الدولارات من الذهب الفنزويلي خلال أشهر، بينما تحدّثت مصادر معارضة عن نقل شحنات عبر طائرات روسية إلى مالي عام 2020 لتسييلها مقابل العملات الصعبة. وصفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذه الشبكات بأنها “عالية المخاطر” من حيث غسل الأموال وتمويل النزاعات، ما جعل الذهب الفنزويلي مرادفاً لاقتصاد خفي يخترق الحدود ويقوّض الرقابة المالية الدولية.

الذهب يقلق واشنطن
منذ عام 2018، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع الذهب في فنزويلا باعتباره أداة تمويل لأنشطة غير مشروعة. وفي 2024–2025، صعّدت واشنطن لهجتها عبر تعزيز وجودها العسكري في الكاريبي وشنّ عمليات ضد قوارب يُشتبه بضلوعها في تهريب المخدرات والذهب. بينما يرى منتقدون أن هذه السياسة تنذر بمواجهة مفتوحة وربما “تغيير للنظام”، تربط واشنطن بين الذهب غير القانوني وشبكات تمويل نظام مادورو وحلفائه. وتعتبر الولايات المتحدة أن موارد الذهب، إلى جانب النفط، تشكل مصدر جذب لمنافسيها مثل روسيا وتركيا وإيران، ما يمنح كاراكاس متنفساً مالياً خارج السيطرة الأمريكية.

مناجم تتحول إلى بؤر تسليح وتجنيد
تحولت مناطق التعدين إلى ساحات مفتوحة لتلاقي مصالح متعددة: عصابات تسعى للثراء السريع، متمردون كولومبيون يستفيدون من الفوضى، ومسؤولون محليون يجنون الأرباح من الإتاوات وحماية طرق التهريب. وتصف “مجموعة الأزمات الدولية” هذه البيئة بأنها “دوامة عنف مكتملة الأركان” تضم الاتجار بالبشر، تجارة الزئبق، العبودية الجنسية، وتدفّق الذهب الملوث إلى الأسواق العالمية. هذه الفوضى دفعت واشنطن إلى النظر للذهب الفنزويلي كأحد “شرايين التمويل” التي تغذي أنظمة الاستبداد وشبكات الجريمة في نصف الكرة الغربي.

طبول الحرب في الكاريبي
خلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت لغة القوة في المنطقة: تعزيزات بحرية أمريكية، ضربات ضد قوارب يُشتبه بارتباطها بالتهريب، وتلميحات إلى عمليات أوسع ضد “منظمات المخدرات”. لكن كاراكاس ردّت باتهام واشنطن بـ”العدوان غير المشروع”، فيما حذرت جهات بحثية من أن هذا التصعيد قد يمهّد لتغيير النظام تحت غطاء مكافحة التهريب. ورغم أن الذهب لا يُذكر مباشرة في الخطاب الرسمي الأمريكي، فإنه يظل في صميم الصراع باعتباره محفظة التمويل البديلة التي تُبقي نظام مادورو واقفاً، وتمنحه القدرة على تحدي الهيمنة الأمريكية.

ذهب يتحول إلى نار
تشير الوقائع إلى أن مناجم الذهب الفنزويلية تجاوزت كونها مجرد قطاع تعدين لتتحول إلى منظومة “أمن – اقتصاد” هجينة تجمع عصابات مسلحة، وجماعات متمردة، وشركاء دوليين ينافسون النفوذ الأمريكي.
هذا الواقع يفسر تشدد واشنطن في استهداف “منابع التمويل البديل”، وسط مخاوف من أن يتحول الذهب الفنزويلي إلى “ذهب الدم” الجديد، الذي يذكي الاستبداد ويغذي العنف العابر للحدود في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.

“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى