إسرائيل تعيد رسم خريطة الجنوب السوري: توغلات تحت غطاء الأمان!
خاص – نبض الشام
الجنوب السوري بين العدوان وإعادة التشكيل
تواصل إسرائيل انتهاكاتها في الجنوب السوري بوتيرة متصاعدة، محولة ريف القنيطرة إلى ساحة مفتوحة للتوغلات والاعتداءات التي تهدد حياة المدنيين وتقوّض الأمن الإقليمي. ومع تصاعد نشاط قوات الاحتلال منذ سقوط نظام الأسد، يبدو أن تل أبيب تسعى لإعادة رسم خريطة الجنوب السوري عبر فرض واقع ميداني جديد يتحدى القانون الدولي واتفاقية فكّ الاشتباك لعام 1974.
تصعيد ميداني متواصل
لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري، بل ازدادت خطورتها خلال أكتوبر الحالي، إذ أفادت مصادر محلية بأن جيش الاحتلال زرع ألغاماً في أطراف المحمية الطبيعية بريف القنيطرة الشمالي، في محيط نقطة عسكرية جديدة أنشأها هناك، ما بات يهدد حياة السكان مباشرة.
وسبق ذلك نصب حاجز مؤقت على طريق “أوتوستراد السلام”، على بُعد نحو 40 كيلومتراً من دمشق، في خطوة استفزازية للحكومة السورية. كما تواصل القوات الإسرائيلية عمليات تجريف واسعة لأشجار السنديان داخل محمية جباتا الخشب منذ بدء تدخلها العسكري عقب سقوط النظام في 8 ديسمبر الماضي.
اعتقالات وتوغلات متكررة
تستمر قوات الاحتلال في اعتقال المدنيين عند كل توغل داخل العمق السوري، متجاوزة المنطقة العازلة البالغة 235 كيلومتراً مربعاً التي نصت عليها اتفاقية فكّ الاشتباك عام 1974.
وبحسب مصادر محلية، اعتقلت القوات الإسرائيلية الشاب عز الدين المنيف من قرية المعلقة أثناء مرورِه على أحد حواجزها في بلدة بريقة بريف القنيطرة الأوسط، في خرق واضح للقانون الدولي.
قواعد جديدة في العمق السوري
كثّفت إسرائيل خلال أكتوبر الحالي عملياتها العسكرية في ريف القنيطرة المحاذي للمنطقة العازلة، حيث دهمت منازل مدنيين واعتقلت شباناً بلا مبرر، لتفرج عن معظمهم لاحقاً، في محاولة لإرهاب السكان ودفعهم للنزوح، والضغط على الحكومة السورية للقبول باتفاق أمني جديد وفق شروط تل أبيب.
وخلال الأشهر الماضية، أقامت إسرائيل قواعد ومراكز تمركز في العمق السوري، وسيطرت على نقاط استراتيجية في قمة جبل الشيخ، كانت سابقاً تحت سيطرة قوات النظام السابق وقوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك، إضافة إلى مواقع تابعة لـ”جيش التحرير الفلسطيني”.
الهيمنة على جبل الشيخ
تسعى إسرائيل إلى البقاء طويلاً في الجنوب السوري وفرض واقع أمني يصعب تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية، خاصة في قمم جبل الشيخ المطلة على سوريا ولبنان وفلسطين.
ويرى العميد فايز الأسمر أن الهدف من هذه الاعتداءات هو منع القوات السورية من الانتشار في الجنوب كما تنص اتفاقية 1974، إضافة إلى الضغط الميداني على دمشق للقبول بالشروط الإسرائيلية في أي اتفاق أمني مقبل.
وأشار الأسمر إلى أن إسرائيل، بعد سقوط نظام الأسد، تقوم يومياً بتوغلات واعتداءات برية على طول الحدود مع الجولان المحتل، تشمل عمليات تفتيش ومداهمة وأعمال تحصين وهندسة وزرع ألغام، كما حدث مؤخراً في منطقتي الصمدانية وبيت جن.
الجنوب السوري في قبضة الاحتلال
منذ ديسمبر الماضي، تحوّل الجنوب السوري، خصوصاً في القنيطرة والسويداء، إلى منطقة نفوذ عسكري وأمني إسرائيلي، تعززت السيطرة في يوليو حين تدخلت تل أبيب إلى جانب فصائل درزية مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري في السويداء، لتصبح طرفاً مباشراً في الأزمة الداخلية السورية ذات الأبعاد السياسية والطائفية.
وتوظف إسرائيل الورقة الدرزية كورقة ضغط على الحكومة السورية، مدعية أنها “حامية” لأبناء الطائفة، فيما تستخدم ذلك لتكريس نفوذها وفرض شروطها في أي مفاوضات أمنية قادمة.
مفاوضات متعثرة وشروط إسرائيلية صارمة
دخلت دمشق وتل أبيب مفاوضات مباشرة في عدة عواصم غربية برعاية أمريكية، لكنها توقفت بسبب إصرار إسرائيل على إنشاء ممر يربط الأراضي المحتلة بمحافظة السويداء، ورفضها العودة إلى حدود عام 1974، إلى جانب مطالبتها بمنع دخول السلاح الثقيل جنوبي دمشق.
في المقابل، تصرّ الحكومة السورية على اتفاق يحترم السيادة السورية ووحدة أراضيها ويخضع لرقابة الأمم المتحدة.
أهداف إسرائيل الخفية
يرى الباحث العسكري رشيد حوراني أن تل أبيب تسعى من خلال اعتداءاتها المتكررة لتحقيق هدفين رئيسيين:
الأول فرض أمر واقع جديد عبر توسيع المنطقة العازلة المقررة في اتفاق 1974، والثاني إظهار الجيش الإسرائيلي كقوة قادرة على خوض المعارك في مواجهة الانتقادات الداخلية لفشله في حرب غزة.
وأضاف أن إسرائيل تسعى أيضاً إلى إشعار السوريين، حكومةً وشعباً، بضعفهم وعجزهم أمام تفوقها العسكري.
قصف غير مسبوق
وكانت تل أبيب قد نفذت في ديسمبر الماضي أكبر عملية قصف جوي في تاريخها ضد مواقع سورية، استهدفت خلالها أغلب القدرات العسكرية المتبقية من النظام السابق في جميع فروع القوات المسلحة، في محاولة لقطع الطريق أمام الإدارة السورية الجديدة التي أكدت مراراً أن سوريا لا تشكل تهديداً لأي طرف في المنطقة.
خريطة جديدة بملامح قديمة
تبدو التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري جزءاً من إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة. وبينما تؤكد دمشق تمسكها بالسيادة ورفضها لأي تنازل، تمضي تل أبيب في فرض وقائع ميدانية جديدة تجعل من اتفاق فكّ الاشتباك مجرد ذكرى. وهكذا، يتحول الجنوب السوري مجدداً إلى ساحة اختبار بين الأمن الإسرائيلي والسيادة السورية، في معادلة لم تُحسم بعد.
“متابعة أسرة تحرير نبض الشام”




